مازال هاربا الى كوكب آخر
فقد غدت منذ زمنٍ أغنيةً للهموم
إنها تراجيديا موت الطواويس
وها هو الضياء يرتدي حزيناً ثياب الظلام
أنا في ريبة
كريبة الوجود من عدمي ..
الموت من الحياة
إن بزغ هذه المرة ضياء كوكبنا في شهر آب
لا أحد يعلم
كيف صم وبكم هذا الكون
قد استطاب لهم النوم
على صخرة الصمت
أمام سطوة الظلام
أمام قطيع ذئاب الصحاري
وفي لا عنوان الاغتراب
أيها الطواويس:
أيها المهمومون
أوَلستم الغرباء حتى أمام أنفسكم
لقد أدرتم ظهوركم لعناء ومشقة يأسكم
فأنتم مذ وجودكم
مذ وجود الأرض والسماء ..
الجنة والجحيم
تحتملون آلآم أسواط لهيب الزمان
أوَلستم أنتم من انجبكم
جزع تلك المنازل الحبلى بالدموع
في ذلك المعبد الظاميء للألم
جاهزين للتشرد في أقاصي الأرض
قد ولدتم ..
لأوامر موتكم الجماعي؟
أو لم تفتحوا أعينكم
مع إغتصاب ألوان الفراشات العاشقة
ورجم الزهور؟
مواسم الرحيل تأتي وتذهب
دونما تذكارات فصول
أيا وابل اليقظة أنعمت صباحا !
ألا تعلم أي شتاء قاس أنت
هل قد كمن في تلك الغابة
في غفلةٍ من الشمس
رمّاح رايات سوداء متوحشة
تعشق القحط والمجاعة
رسالتها غدر خنجر
يحترف قطف رؤوس الشجر
وبلهيب حربته يحيل الشتاء الى رماد
في موسم رحيله الخالي
لا يلتفتون الى الوراء
ولا يعودون الى ملقى العشاق المذبوحين
هكذا
الأعشاش رماد
والأشجار قد غزاها الجفاف
وعالي المروج سافلها
يا ترى
في معجزات أي كتاب
تحققت شرعية موتكم
لمَ لمْ تموتوا واقفين كالأشجار
أنتم الذين لم يروا في الوطن
غير حفر المقابر الجماعية...
منذ سنين
وعيون السحائب تقدح شررا
إنها تمطر دماء
تغطي الأشواك والأحراش
وصخور الجبال
والوديان والمضائق
تغطيها باللون الأحمر...
الطواويس يهاجرون
ويغنون أغاني العشق الملتهب للغمام
في آذان رفاقهم
وفي وداع خضرة الأشجار
يغنون أدعية احتراق الضياء
وانتحار بياض عذرية الثلوج
أمام عنجهية الرماد
يندبون رائحة التراب الزكي لاستذكارات لالش
ومنذ ذلك اليوم
منذ ذلك الطعن
أغتيل حلم الطواويس في مزارات سنابل القمح
واصبح الخبز حلما على موائد الفقراء
ولن ترى أحلامهم مناهل الضياء
لأجل السهول العطشى للماء والنور
ولن ترقص قلوبهم حول المواقد
بالأحلام الدافئة ذات اللهب العشق
في ليالي الشتاء القارسة
ويتضرعون املاً لأجل عودة العشاق
ما أمر الأيام وما أقسى سطوتها
والقلب ملؤه الوجع والإحتراق
إلهي
ماذا كان ذنب هؤلاء؟
قد تركتهم هكذا
بلا نصير بلا شفيع
وأغلقت ألسنهم بالأقفال
أغشيت عيونهم
أجريت السم الملعون في دمائهم
ومنحت قبيلة الصحراء الإجازة
كي يدمروا ما شاء لهم
بضربات حقد الرماح
وبالرؤوس المقطوعة
جاؤوا
جاؤوا
جاؤوا
وهدموا خنادق الأمل المتفتقة هنا وهناك
واغتصبوا ...
عذرية الغزالات
الشجر والحجر والينابيع
المروج والجبال
والزهور...
قراءة لقصيدة (طواويس لالش) للشاعر ( فريدون سامان )
بقلم الدكتور نعمت خلات
كأنما ضياء المنازل هذه
مازال هاربا الى كوكب آخر
فقد غدتْ منذ زمن اغنيةً للهموم
إنها تراجيديا موت الطواويس
وها هو الضياء قد ارتدى حزيناً ثياب الظلام...
بداية صادمة صاغها الشاعر بأسلوب قصصي جذاب للفضول تصعق القارئ وتضعه في مواجهة كارثة إنسانية مزمنة الحصول لشعب مغلوب على أمره ، فالشاعر يبدأ قصيدته بقوله أن ضياء المنازل مازال هارباً وهي صورة دقيقة الحبك والنسج كونها تعكس حدثاً وقع في مكان ما ولكنه تخطى حدود الزمان بل جمع الزمن الماضي مع الحاضر مع المستقبل وذلك بالاستخدام الموفق جداً لكلمة (مازال) التي تعطي دلالة زمانية مفتوحة الأزل مرورا بالحاضر المعاش والوصول إلى مستقبل ليس افضل من ماضٍ تعيس ، ثم يكمل الشاعر تراجيديا الحدث بموت الطواويس التي يقصد بها موت الجمال والنقاء قافلاً صورته هذه باختفاء النور والضياء والحلول اللاشرعي للظلام الذي يجعل الشاعر في ريبة من الأمر وفي حالة من عدم التصديق للذي حصل ويحصل بل جعله يغرق في دوامة من الوجود والعدم متأرجحاً بين خطوط الموت والحياة لعدم عقلانية ما يحصل في القرن الواحد والعشرين ، ثم بضربة معلم ينقلك الشاعر من قتامة الصورة إلى بصيص من الأمل حين يقول أن الموت الذي حصل للشنكاليين الأبرياء في شهر آب أبان غزوة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي قد يصبح هو الضياء لكوكبنا الغارق في ظلام جبروت السياسات الاستبدادية العالمية التي مثلما يقول شاعرنا قد غضّتْ السمع والبصر لمجزرة شنكال مُسلَّمين إياها لوحوش هذا العصر وذئابه .
يكمل الشاعر نزيف حزنه وألمه بأسلوبٍ خطابي مباشر شفيف مخاطباً الطواويس ومتخذاً منها رمزاً موفقاً لمن قتل وذبح وغُيب وسُبي من أبناء وبنات شنكال قائلاً لهم إن ما تعرضتم له ليس بغريب على تاريخكم وتاريخ ديانتكم ولا غرابة في الموضوع لأنكم منذ ولادتكم أنتم وولادة امهاتكن وجداتكن لستم في نظر الغير إلا وقفٌ مباح كلما سأل لعاب الفتاوي لذلك وبأسلوب أقرب للبكاء منه الى البوح حيث يقول :
أيها الطواويس:
أيها المهمومون
أوَلستم الغرباء حتى أمام أنفسكم
لقد أدرتم ظهوركم لعناء ومشقة يأسكم
فأنتم مذ وجودكم
مذ وجود الأرض والسماء ..
الجنة والجحيم
تحتملون آلآم أسواط لهيب الزمان
أوَلستم أنتم من انجبكم
جزع تلك المنازل الحبلى بالدموع
في ذلك المعبد الظاميء للألم
جاهزين للتشرد في أقاصي الأرض
هنا يقبض الشاعر بيده على مكمن الجرح الأبدي للايزيدية نابشاً إياه بمبضع لا يرحم رغم قساوة المشهد ووجع الواقع الايزيدي المهمش الغارق في الاغتراب والتغرب والباحث بين صفحات الأوطان عن ملجأ الأمان الضائع والمتسول للطمأنينة المفقودة حتى في اقدس معابده (معبد لالش) والذي لا يلقى فيه غير مزيدٍ من الضياع بل يجده هو الآخر غارقاً بالوجع ضامئاً للألم وهي صورة مبكية حد الاحتضار الذي لا مفر منه في محيط يعج بالأفكار العنصرية المسمومة وفي مجتمع غارق حد الهلوسة بإقصاء الآخر المختلف وبشتى الطرق والتي يكرسها الشاعر بصورة رائعة رائعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق