أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts

******* أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts *******

الخميس، 29 أبريل 2021

لُبْنَانُ الْمُسْتَحِيلُ وَالْأُسَرُ......حبيب يونس 24 – 4 - 2021 (الصورة بعدسة جورج الفغالي)


لُبْنَانُ مُذْ كَانَ، شَاءَ يُبْتَكَرُ
فِي بَالِهِ الْمُسْتَحِيلُ وَالْأُسَرُ
وَاحِدَةٌ أُخْتُ أُخْرَيَاتٍ وَمَا
إِلَّا الْعُرَى بَيْنَهُنَّ وَالْفِكَرُ.
فَأُسْرَةُ النُّورِ لَيْسَ تُشْبِهُهَا
شَمْسٌ وَلَا نَجْمَةٌ وَلَا قَمَرُ
تَزْهُو انْبِثَاقًا فَكُلُّ زَاوِيَةٍ
بِالنُّورِ، وَسْطَ الظَّلَامِ، تَنْحَفِرُ.
وَأُسْرَةُ الْمَاءِ نَبْعُ مَكْرُمَةٍ
يَحِيكُهَا الْغَيْمُ آنَ يَأْتَزِرُ
بِالثَّلْجِ إِذْ أَجْبُلٌ يُكَلِّلُهَا
وَتَسْتَقِيهَا الْبُرُوقُ وَالْمَطَرُ.
وَالْبَحْرُ يَعْدُو يَخَافُ أَشْرِعَةً
لَوْ يَسْبِقُ الْمَوْجَ يَوْمًا السَّفَرُ.
وَأُسْرَةُ الْعِطْرِ، مَا الرَّبِيعُ أَتَى،
تَرْنُو إِلَيْهَا الْفُصُولُ وَالزَّهَرُ
وَتَرْتَدِيهَا الْحُقُولُ ثَوْبَ غِوًى
وَطَرْحَةَ الْمُسْتَهَامِ تَعْتَمِرُ.
وَأُسْرَةُ الْحَرْفِ شَدْوُ مِحْبَرَةٍ
أَسْرَابُهَا فِي الْخَيَالِ تَنْتَظِرُ
طَارَتْ... فَغَنَّى الْفَضَاءُ أَجْنِحَةً
حَطَّتْ... فَرَاحَ الْمِدَادُ يَخْتَمِرُ
وَالْكُتْبُ تَعْلُو عَلَى مَعَارِفِهَا
وَالْعَقْلُ يَسْمُو وَيَنْطِقُ الْحَجَرُ.
لُبْنَانُ عِطْرٌ وَخَصْرُ سُنْبُلَةٍ
وَسَكْبُ نُورٍ يَفِيضُ، يَنْهَمِرُ
مُذْ كَانَ، مَا كَانَ غَيْرَ أُسْرَتِهِ
فَلْيَهْنَإِ الْمُسْتَحِيلُ وَالْأُسَرُ.
حبيب يونس
24 – 4 - 2021
(الصورة بعدسة جورج الفغالي)

زهرة ارجوانية ....المصيفي الركابي

زهرة ارجوانية
نعبثُ
بحدائقِ .. الزّهورِ
كطفلينِ صغيرينِ
تارةً
تقذفُني
بزهرةٍ أرجوانيّة
وتارةً
بحصاةٍ صغيرةٍ
أعدو..
أمامَها بسرعةٍ
فتتبعُني ..
إلى.. شجرةِ نبقٍ كبيرةٍ
حذوَ ساقيةٍ متدفّقةٍ
ألتقطُ.. دلوًا
وأرشُّها رشًّا غزيرًا
فينسدلُ شعرُها
كحزمةٍ حالكةٍ ..!!
على خصرِها
ويلتصقُ ..
ثوبُها الأبيضُ الشّفافُ
على قوامِها
تبدو..
كحمامةٍ ..وديعةٍ مبلّلةٍ
بماءِ المطرِ..!!
فتعرّشُ لروحي باكيةً
تلوذُ بها عندَ المحنِ.
"

نص للكاتبة و الشاعرة العراقية فرح دوسكي : تفاصيل صغيرة من سيرة ذاتية



لم آتِ بالتبنّي
لديَّ والدان وإخوة
لديَّ أصدقاءُ للترفيه الإلكتروني..
أعيشُ بقصرٍ بحديقةِ ورد
بنافورةِ ماءٍ على النهرِ تجري..
لي حارسٌ شخصيٌّ
كلما أشعرُ بالخوفِ يأتي للنومِ بجانبي..
أمارسُ الأمومةَ والجنسَ
بجسدٍ خالٍ من سرطانِ الثدْي..
ينعُمُ سريري بملابسِ الإغراء والسهرة
قربَ قنواتٍ ماعادتْ مشفّرة..
خوفاً على عملتِنا المحليةِ
أملِكُ كلَّ ألوانِ أحمرِ الشفاهِ والعطْرِ
المسعّرةِ بــ الدولارِ واليورو..
ليس لديَّ مشكلةٌ بالصرفِ الصحيِ
والمادّي والعشقي..
لا أبالي بألبومِ صوَري
في أجملِ عواصمِ الأرض
اتغاضى عن أسعارِ تذاكرِها الباهظةِ الثمن
في جيوبِ المعجبين المخدوعينَ بالحب..
لا أعرفُ أصدقاءَ فقراءَ
وذوي عاهاتٍ ومتسوّلين
قربَ مقاهى رضا علوان وقهوةْ وكتاب الثقافيّ ...
لم أحضرْ جلساتِ الأدبِ
والفنِّ والشعرِ المسرفةَ بالوجع
رغمَ أنّي أجهلُ
عُنوانَ شارعِ المتنبّي والفراهيدي
لم ألمِسْ الكتبَ بسعرِ ربع دينارٍ عراقي
خشيةَ مرضٍ من شاعرٍ مُعْدٍ..
أُصاحبُ ذوي الباجاتِ حسَنةُ السلوكِ
في شوارعِ العاصمة
عند حاجتي لحَبِّ عبّادِ الشمس
أطعمُ ببغاءي سليطَ اللسان
ليُسعدَني بحَراكِهِ اليومي
سلميةْ سلمية..
لم أصمْ رمضانَ
خوفا من الجوع
لم أغتربْ في بلدِ الأشقّاء
بسبب إجراءِ عمليةِ
شفطِ الدهونِ باتجاهٍ معاكس..
لم احتَجْ إلى طبيبِ
الأوعيةِ الدمويةِ والكولسترول
نتيجةَ حِصّةِ كليسرين وحشِ الطاوة..
الحمد لله
لم أُعانِ من مواعيدَ غيرِ منضبطةٍ
لدورتي الشهرية
لا انسدادَ في المبايض
يُعيقُ حريةَ تغييرِ الأحبةِ
لإثباتِ وطنيتي..
لم آكلْ شوربةَ العدسِ
والفلافلَ في ساحةِ الوثبة
لم أقابلُ خائنا مرتزقا لبلدي..
أنا جميلةٌ
لم يطعنّي أحدٌ بالقبحِ من الخلف
حسبَ ما قالَ لي أحدُهم
كلُّ شيءٍ فيكِ يلمعُ
عيناكِ وجهُكِ
وتلك الحُلِيُّ البرازيليةُ الصنع
وكلماتُ الميتافيزيقيا
التي تحظى بالتصفيقِ الشرقي..
أنا سعيدةٌ جداً
يُحيطُ بي من هُم على شاكلتي
ترى لماذا الآن أبكي؟
لماذا الآن أبكي

صباحي الأبكم.... فائز عيسى

صباحي الأبكم ...
كم يحتاج لثرثرة صمتك
ليزرع في العيون بذور
التساؤلات
ويضع القلب في ردهة
الانتظار على أمل
أن تنضج مواسم
الزرع
لعلّ القدر الأعمى يحصد
قراءة الإجابات ...
الخال فائز عيسى



الليل والمطر .....سعاد علي


فقط عندما أفتقدك
أرفع رايتي البيضاء
لا مرئية أهاجر إليك
إلى أمنيات متعثرة
أُناغي عين السماء
ولا أهتدي سبيلا
أعيَا بك
أغفلُ عنك
أستفيقُ من غفلتي
وأتضرّعُ ابتهالاً
أحملُ دفء ملامحك
أحلامي الزرقاء
يراعي ومساحة بيضاء
وأسكبك مدادا
في شريان قصيدةٍ
لاشيء فيها سوى
ثغرك
اجترار كلماتك
الليل والمطر
مناغات القمر
وزنى العينين
فجرٌ صارخ
نشوة الوجد
وصدى ابتهلاتي
لاتعاتبني معذبي
صماء أنا
معقدة اللسان
فقط اغفر لي
ما أكتبه
على نوافذ عشقك
إدماني إياك
غائب ولا تغادرني
أمكثُ في حزنك
أنصهرُ فيه
وفي دمعتي أنام
أجري على مياهٍ حالمة
صوتك يرمي لي أملاً
يتريَّق قلبي الصمت
حتى يضيء الصبح
ينعصىرُ
يمتلىءُ بك
يترنَّحُ سُّكْرا
ولا ينكسرُ إلا عندما يفتقدك

حـــواريـــــــة.. هـــو ـــــ و هي ــــــــــــــــــــــــ عبير دريعي


ــــــ هو
حين يتكرر غيابك
لا يبقى أهمية لدي لحضور
متكلف
أقرأ فيه اسمك بالمقلوب
أريدك ألفاً
كحد السيف
كي أكون لك
ــــ هي
اغيب كنجمة
هاربة من مجرة
تائهة رغم الهذيان
ـــــــ هــو
وأنا كظلك الهارب منك
أتوق لحضن
أبوح له عن حبي
وأكسر قيد الحرمان
ــــــــ هي
اكسرْ ماشئت
فك قيد ي
وانثر لغوك بين شفتي
فالريح لعوب
في ثوبي الفضفاض
مذ كنت أنت
ــــــ هو
أنت هناك
وأنت لي
وأنا عبق جمالك الشقي
هي
أنا هناك
وأنت هنا
احمل قنديل الحياة
هات يدك ....واتبعني
هو
إلى أين ...؟
أيتها الجميلة
كوردة
والقاتلة كسيف ؟؟؟؟
هي
كسيف ينام
عشقك في لحمي
فأنا امراة منخولة
يتسرب وقت العالم
كله من ثقوبها
هو
أهو البحر أنت ....
أم صخبه الذي لايجول
ولا يزول
ولا يهدأ ...؟
هي
منكفئة
في بيداء عزلتي
اتنفس العشق واشربه
اتقمص القصص
ابرمها بشغف
في رقصة التانكو
هو
كنت سأطلبك للرقص
وأهدي جبينك المشرق قبلة
لكن ....
قتلوني
هي...
ساطوف الليلة حول نفسي
رياح تضرب أفاريز النوافذ
سأرقص و أرقص
فالرقص عبادة
26/4/2021
عبير دريعي
عامودا

أمل شيخموص


الكل يعاني أو بالأحرى معظم " المجتمع " من عدم تفهمٍ من قبل الأبناء والآباء ، الأزواج فيما بينهم . . إلخ . . الوعي !!!! وما أدراكَ ماالوعي أعظم النعم ، إن فقدها الإنسان فلن ينعم إلا بالضيق والحزن التعثر في الحياة ، الوعي يزيدنا سلاسةً وإنهماراً حيويةً وحياةً ، يُسراً وعطاءً نجاحاً ونجاةً ، تُقامُ من خلاله القيم الإنسانية والخُلُقية " السلام " كل من تطالُهم دائرةُ الشخص الواعي ، يتمتعونَ بالسلام والأمن الجمال والراحة النفسية والسلوكية الطمأنينة في ظِلِهِ تستكينُ النفوس ، عكس التخلف وقلة الوعي المدمر لذاتهِ ومن حوله اللذين يعيشون في بوتقة كنفهِ سيختنقونَ رغماً عنهم بذاكَ الدخان القاتم الذي ينفُثُهُ بقلة وعيهِ فيحيل حياتهم إلى أشبه بالجحيم ، في صراعٍ مريرٍ من عدم تقبل الذات وتفهم الآخرين نار الله المسلطة !!! الوعي قِلَّتُهُ قتالة وهدامة للبيوت والأسر ، طاقة سلبية تبثُ الإزعاج والتوتر تعكسُ التبعية القِبَلية وتمجدُ سياسة القطيع لا ترى أبعد مما يصورهُ ذلك الوعي الضئيل المليء بالمخاوف والهواجس الإضطراب وعدم الثبات ، الوعي متفاوت بين البشر بإزديادهِ تزدادُ الحياةً ثراءً وبهاءً ، وكلما نَقُصَ كانت الطامة أكبر ، أما مُتَوسِطُ الوعي يحيا ما بين البينين كلُ موقفٍ حسب وعيهِ وثقافتهِ وتفهمهِ تكونُ النتيجةُ و التأثير ، ذلك الإنجذاب الجمالي بين العقول الواعية يُنتِجُ شرارةً من الألفة والمحبة ، الرقي في العمل بينهم ، يزدادُ الوعي في المجتمعات المتقدمة التي تُغدِقُ جماليتها على مواطنيها تجدُ التطور العلمي والتكنولوجي المعرفي ، عشقُ التطوير والأسلوب النقاشي المثمر ، الجودة في كافة المجالات المتعددة ، أسلوبهم الفكري يعتمدُ التركيب والتحليل يتمتعون بالذكاء الإجتماعي الفني ، السياسي ، الإبداعي والإبتكاري . . تجدُ
معظمَ أفرادهِ متمتعين بصحةٍ نفسيةٍ وجسدية أسمى تصبو للإمتياز البشري من خلال تطبيقهم للقوانين ، ثمةَ حقٌ وواجب ونظام ، حتى الله سبحانه و تعالى فضل المؤمن القوي على الضعيف ، المؤمنُ القوي أجدى و أنفع لمجتمعهِ ، فلنكن أقوياء واعيين ، نزيدُ ذلكَ الوعي والجمال الاناقة الفكرية ، الإندماج في المجتمع من خلال تفكيرٍ منظم لا عشوائيٍّ تُفقَدُ من خلالهِ الجهود وتبذل قصارى ما تملكُ من طاقةٍ فتتحصل على الألم ، إنما المقصودُ أن تحتفظَ بوعيكَ وأن تنشرهُ دون أن تهدِرَ أياً من طاقاتكَ أن تستثمرَ مَلَكاتِكَ الواعية الفكرية العميقة والمشاعرية العقلية من منطلق قوة وإتزان تفاؤل وأمل من خلال المشاركة الفعالة ، بالدورات وورش العمل التطويرية وإكتساب المهارات وتنمية القدرات التي تعزز الثقة بالذات أيضاُ ، بالتالي النماء و الإزدهار العلمي ، الأدبي ، الحياتي والعملي ، الإنساني . . حيثُ أنَّ هذا البناء ، يعتمدُ على ذوي الوعي العالي وما يندُّ عنهم من ذبذباتٍ مرتفعة الإيقاع تبني ماحولهم ، وجودهم يُسهِمُ في الغزارة العطائية ، فالشخص المتمتع بذلك الوعي ، متفاءل قوي ، فعال ، مبتسم يؤمنُ بذاتهِ و يعتبرُ الصعوبات عبارة عن تحدياتٍ لا أكثر بعيداً عن التهويل والتضخيم ، النحيب السلبي الذي لا جدوى منهُ ، يختارُ ألفاظهُ بحكمةٍ بالغة الأهمية وبطريقةٍ مؤثرة إبتكارية تعتمدُ الحلول ، الحياةُ نعمة وموسمُ عطاءٍ وفير ، أكثرُ نتاجاً وغزارة ، سلاسة ، اما التفكير الضحل الضئيل الوعي إن دلَّ فإنَّما يُفصِحُ عن حلولٍ خاملة غير مجدية ، حيثُ كلُّ شيءٍ في تصورهِ عقبة ومحنة !! لا يتفكر ولا يستشعرُ الغنائم أو يستنبط الأمل أو الخروج من الأزمات ، يغرقُ بشبرِ ماءٍ !! بصريحِ العبارةِ يغرق ، لا يرى الصورةَ كاملةً من بُعدِ منطقٍ ووعي للأسف !! بل يقتربُ كثيراًحتى تتشابك الأمور في عقلهِ ولا يعودُ يقوى على التفريق بين الأمور والحقائق التي تبدو لديهِ دائماً مشوشة ، وغالباً ما ينتهى به المطاف إلى الضياع والتوهان في التفاصيل التي لا جدوى منها ، للأسف ذلكَ التفكير لا يتمتعُ بالمرونة ولا الموازنة ، يفتَقِدُ التحليل والتركيب المنطقي الذي يحتاجُ أحياناً إلى لمساتٍ فنية إلى جانب إشغال الحكمة والوعي مع بعض الصبر الذي يُغذي الإيجابية ويُعززها حيثُ يغدو المرءُ بذلكَ التقدير الواعي للأمور أقرب إلى الحقيقة وحل المعضلات للتقليل من تلك الخسائر ، طوبى للعقل البشري ذو التأثير الفعال في الحياة ، طوبى للشغوفين بتغذية و تنمية عقولهم ، أجسادهم ونفوسهم ، للمتوازنين الذي يتأملون الحياة بعين الرحمة ويؤتون كل ذي حقٍ حقهُ ولا ينكرون الحقوق ولا يهملون الواجبات ، الكمالُ لله وحده ، لكن لابدَّ من تنمية الوعي ، الإزدهار والتحسين المستمر كي يبدع الفردُ وينتج ويؤثر بشكل فعالٍ عميقٍ ويتركَ بصماتِ لا تُنتسى ، تُفيد البشرية وتدفعها نحو طرح المزيد من النجاح والتميز ،طوبى لمن يتحلى بالوعي ولا يستغلُ ضعفَ الآخرين بل يستخدمُ طاقتهُ لبناء البشرية لا خرابها وهدمها كما أنَّ ديننا الإسلامي يحثُ على الإحياء ، فمن أحيا نفساً كمن أحيا الدنيا بأكملها ، طوبى للعُقلاء المتحكمين بردات فعلهم وردودهم ، المورقينَ بالوعي ينثرونَ الضوءَ والحكمة ، من خلالهم تنتفِعُ البشرية . .
بقلمي الكاتبة و الروائية
أمل شيخموس

الليل...مها ريا


فرش عباءته، وتربّع أمام صفيح ساخن، متلذذاً برائحة شواء أقدام العابرين من الحياة.
رفعتُ الجدار، وقطعتُ كل آذانه، وجلستُ أحرس السكون.
أفرد مواسم العمر على بيادر الذكريات، أعيد ترتيب فساتينها أرتق ما خزّقته السنون .
قالت جدتي يوماً:
لا تلّبسي ثيابك لفزاعات الطيور كي لا تهجرك الحياة.
كنت أظن إن الذكريات أحلام بسيقان جوفاء، لا تقوَ على الوقوف، وبمجرد وخزها تتلاشى مثل فقاعات الصابون دون ضجيج.
ها أنا أشك الإبرة في كل مكان فيها، وتبقى واقفة دون أن تتألم.
يالهذا السكون الذي يقاسمني الهواء.
كنت أظنه رضيع نائم
أستطيع إيقاظه متى أشاء بدغدغة أصابع الذاكرة ،يرف ملاك بجناحيه ويحمله إلى السماء.
كنت أظنه ، خزائن مقفلة على الذكريات، افتحها متى أشاء، لتخرج منها حسناوات بفساتين مطرزة، وخلاخيل ماان تتبختر بها إحداهن حتى يبدأ بمراقصتها.
كنت أظن أنّه بصمته الرهيب يمنع مرور الوقت.
لذا أبقيتُ الرضيعَ نائماً، والخزائن مقفلةً.
لم يكن عندي مرايا على الجدران لأنني أردت إيقاف الزمن .
مرة هرب شعاع من الشمس وتغلغل في حضن زجاج النافذة، اقتربت ..
رأيت إمرأة ملأ الشيب رأسها، والتجاعيد على وجهها كأنها سواقي وجف الماء فيها منذ زمن طويل..
من هذه ....؟
هرعت إلى الرضيع لأتأمل وجهي بعد غياب السنين على مرآة عينيه،
لم أجد غير بقايا ملابسه.
صوب الخزانة اتجهت اسحب منها مرآة لصبية.
على بابها وقفتْ عجوز تتوكأ عصاها، ماان لمحتني حتى نكزتني.
كُسر ساق ذاكرتي
لم تستطع جبرها كل اقمطة الوصاياالتي بحوزتي ،
بذاكرتي العرجاء هرعت الى البحر ادفنها وسط الرمال، كي لا يطالها صفيح الليل،
فعلى البحر ثمة وجه اخر للحياة .

اغتيال طفولة ... قصة : مصطفى الحاج حسين .

استيقظت على ركلة قوية ، وقبل أن أفتح عينيّ الناعستين ، انهمرت دموع الوجع منهما ، أحسست أنّ خاصرتي قد انشقت ، وقد هالني أن أبصر أبي ، فوق رأسي وعيناه تقدحان شررا ، نهضت مسرعا ، يسبقني صراخي وعويلي ، فأنا لم أدّر بعد ، لماذا يوقظني بهذه الطريقة ؟!.
ـ ساعة .. وأنا أناديك .. فلا ترد ياابن الكلب !!!.
أنا أعرف أبي ، إنه قاس ، بل هو أشدّ قسوة وفظاعة من الشيخ ” حمزة ” نفسه ، ومن مدير المدرسة ” الأعور ” ، فكثيرا ما كان يضربني وشقيقتي ” مريم ” ، لأتفه الأسباب ، حتى أمي ، لم تكن تسلم من ضربه وشتائمه .
ـ إلى متى ستبقى ” فلتانا ” مثل الحمار ، لا عمل .. ولا صنعة ؟!.
شهقت بعمق ، تنشقت مخاطي ، بينما راحت عينايّ تستوضحان وجه أمي ، المنهمكة باحضار الفطور ، عن معنى مايقوله ابي ، قرأت أمي تساؤلاتي .. فاقتربت مني :
ـ ستذهب .. لتشتغل مع أبيك .. صار عمرك عشر سنوات .
وكدت أصرخ :
ـ أنا لا أقدر على حمل الحجارة ، ولا أحب صنعة العمارة .
غير أنّ نظرات أبي الحادة ، أرغمتني على الصمت ، فبقيت مطرق الرأس ، أشهق بين اللحظة والأخرى .
قال أبي بقسوة :
ـ تحرك .. اغسل يديك ووجهك .. وتعال تناول لقمة قبل أن نذهب .
خرجت من الغرفة ساخطا ، شعرت بكره نحو أبي ، وصنعة البناء ، فهي متعبة ، تعرفت عليها ، عندما كنت أذهب إليه أحيانا ، فأرى ما يعانيه ، الذين يشتغلون بهذه المهنة .. من تعب .
تبعتني أمي إلى المطبخ ، وما كدت أسمع وقع خطاها ، حتى التفتّ نحوها صارخا :
ـ أنا لا أريد الشغل .. في العمارة .
فردت بصوت يكاد يكون همسا ، بينما كانت تضع اصبعها على فمها :
ـ لو لايّ .. لأخذك من سنتين معه إلى الشغل .. الآن لم يعد يسمع كلامي .
ـ لكنني لا أقدر على حمل الأحجار ، وأسطلة الطين .
قلت بحنق شديد . قالت أمي :
ـ وماذا أفعل ؟.. أنت تعرف أباك .. لا يتناقش .
وقبل أن أرد ، على أمي .. انبعث صوت أبي صارخا ، من الغرفة :
ـ ألم تنته من التغسيل يا أفندي ؟!.. تأخرنا .. صار الظهر .
أسرعت إليه .. متظاهرا بتجفيف وجهي .. وخلال دقائق ، ازدردت عدة لقيمات .
ونهضت خلفه ، حزينا .. يائسا .. بي رغبة للبكاء ، سرت خلفه ، أراقب حركات ” شرواله” المهتريء ، وسترته ” الكاكية ” الممزقة ، تأملت ” جمدانته ” السوداء العتيقة .. تمنيت في تلك اللحظة ، ألاّ يكون هذا الرجل أبي ، كل شيء فيه كريه ، حتى شكله ، عمي ” قدور ” أجمل من والدي ، والأهم من هذا كله ، أنه لا يرتدي ” شروالا ” ، ولا يرغم ابنه ” سامح ” ، الذي يكبرني بسنة ونصف ، على عمل لا يحبه ، لقد أدخله و ” سميرة ” المدرسة ، وهو يشتري لهما الألعاب ، ويعاملهما بمحبة ودلال .
كنت أحدث نفسي طوال النهار ، وأتمنى التملص من أبي ، وكلما ازداد تعبي ، أزددت حنقا عليه ، الشمس حارقة ، والأحجار ثقيلة ، وسطول الإسمنت قطعت أصابعي ،الغبار يخنقني ، والعرق الدّبق يغسّلني ، وأبي لا يتوقف عن العمل ، ولا يسمح لعماله بقسط من الراحة ، في الظل .
أفكر في ” سامح ” ، وكيف سيضحك عليّ ، إذا علم بقصة عملي ، إنه الآن في المدرسة ، بعد قليل ينصرف ، ينطلق باحثا عني ، لكنه لن يجدني ، سيجوب الأزقة .. يسأل أمي وأخوتي .. وسيفرحه الخبر ، فأنا الآن عامل بناء ، في ثياب وسخة ، بالتأكيد سيفتش عن أصدقاء غيري ، يشاركونه اللعب .
لن ننصرف قبل أن تغيب الشمس ، ما أطول النهار ، وما أبعد المغيب !!!.. لن يتسنّى لي أن أرتاح ، وألعب قليلا مع ” سامح ” .
اللعنة على الإسمنت والحجارة ، اللعنة على الفبار الذي أمقته ، أكاد أختنق ، رأسي انصهر من شدة الحر ، والعرق يتصبب مني بغزارة ، عليّ أن أستحمّ فور عودتي .
هذا اليوم أقسى أيام حياتي ، لم يكد أن يأذن العصر ، حتى شعرت أن قواي خارت تماما ، وجهي تحول إلى كرة ملتهبة ، محمرّة ، رأسي أشتد به صداع حاد ، يدايّ ، قدمايّ ، ظهري ، رقبتي ، أكتافي ، عينايّ ، كلّ خلية في جسدي الهزيل ، تؤلمني ، وتوجعني ، وتصرخ ، وتبكي ، وتمنيت أن أموت في تلك اللحظة ، أو أتحول إلى كلب ، أو قطة ، تذهب حيث تشاء ، تستلقي في الظلّ .. وتغفو . وتساءلت :
ـ يا إلهي .. ألا يتعب أبي ؟!؟!؟!.. هل هو من حجر ، أم من حديد ؟!؟!؟!.. إذاَ لماذا لا يستريح ؟!.. ولو خمس دقائق فقط ، خمس دقائق يا أبي لن تخرب الدنيا .. شعرت نحوه ببعض الإشفاق ، وبشيء كبير من الغضب والحقد .
ـ إن كنت لا تهتم بنفسك ، أو بعمالك ، فأنا تعبت ، ولم أعد قادرا على تسلق السّلّم ، ولن أقوى على حمل سطل الإسمنت ، أنا منهار أيها الأب القاسي ، هل تسمعني ؟!.. ألا تفهم !!!.. اعلم إذاَ بأنني سوف أهرب .. وأتركك مع عمالك الأغبياء ، هل باعوك أنفسهم ، من أجل بضع ليرات ؟!.
ونمت فكرة الهرب ، في رأسي ، صارت تتغلغل إلى خلايا جسدي ، المنهكة .. فتنعشها ، لكنني سرعان ما جفلت .. من فكرتي هذه ، وصرت أرتجف. غير أن الفكرة الرائعة ، كانت قد سيطرت عليّ تماما ، سأهرب .. وهناك في البيت ، سوف تتشفع لي أمي .. سأهرب .. وسأرجو والدي أن يعتقني من هذه الصنعة ، وكبرت الفكرة في ذهني ، سألجأ إلى عمي ” قدور ” ، أتوسّل إليه أن يساعدني ، في إقناع أبي ، بالعدول عن قراره ، بالعمل معه ، سأعمل في أيّ مهنة يشاء ، فقط لو يتركني أنجو من هذه الصنعة ، وعزمت أن أنفذ الفكرة .. وتمكنت من الفرار ، دون أن يلحظني أحد ، فقد تظاهرت بأنني أريد التبول ، ولمّا أدركت ، أنني ابتعدت عن أنظار والدي وعماله ، أطلقت العنان لقدميّ المتعبتين .
لم أكن أدري ، أن أبي سيترك عمله ، ويتبعني إلى البيت ، فور اكتشافه أمر هروبي ، فما كدت أطلب من أمي ، أن تعد لي لقمة ، ريثما أغتسل وأغير ثيابي ، حتى اقتحم أبي الدار ، والغضب يتطاير من وجهه المغبر ، هجم عليّ ، وفي يده خرطوم ، صارخا في هياج :
ـ هربت يا ابن الكلبة !.
يبست الكلمة في فمي ، تراجعت ، انبعث صوتي ضعيفا باكيا :
ـ تعبت يا أبي .. لم تعد لي قدرة على الشغل .
انهمرت على جسدي العاري ، سياط الخرطوم ، عنيفة ، قوية ، ملتهبة ، ودون أدنى شفقة ، أو رحمة ، وانتشرت صرخاتي في كل الإتجاهات ، حادة عالية :
ـ دخيلك يا ” يوب ” ، أبوس رجلك .. أبوس “صرمايتك ” .
وأسرعت أمي نحوي ، ارتمت على أبي بضخامتها ، وقفت حائلا بيننا ، فما كان منه ، إلاّ أن صفعها بكل قوة :
ـ ابتعدي .. من أمامي يا بقرة .
تلقت لسعات الخرطوم ، صارخة :
ـ خير !!!.. يا ” أبو رضوان ” .. ماذا فعل الولد ؟؟؟.
ـ ابن الكلب …هرب من الشغل .
تابع ضربي ، ولم تنج أمي من ضرباته أيضا ، فكانت سياطه تقع على جسدها الضخم ، المترهل ، بينما وقفت أختي [ مريم ] في أقصى الزاوية ، جزعة ، مرعوبة ، تبكي بصمت ، وترتجف ، تدفق الدم من فمي بغزارة ، فارتمت أمي على قدميه ، ترجوه ، تتضرع له ، تتوسل ، تتذلل ، تبكي بجنون ، وبحرقة ، وألم :
ـ أبوس ” قندرتك ” توقف ، عن ضربه ، الولد انتهى .
هجم عليّ من جديد ، رفع يده عاليا ، وهوى بها على رأسي ، فطار الشرر من عينيّ ، وصرخت صرخة ارتجت لقوتها أرجاء الغرفة ، صاحت ” مريم ” بذعر شديد ، وبينما كنت أتدحرج ، ممرغا بدمائي ، شقت أمي ثوبها ، اندلق على الفور نهداها الهائلان ، تناهى إلى أسماعنا ، صوت خبطات قوية على الباب .. رمى أبي الخرطوم ، وخرج ليفتح .
انحنت أمي تغسلني بدموعها ، ضمتني إلى صدرها العاري ، وبكت بحرقة ، وهي تدمدم :
ـ أسفي عليك يا ” رضوان ” … أسفي عليك يا ولدي .
دخل عمي ” قدور ” ، فأسرعت أمي إليه باكية :
ـ دخيلك .. الولد راح من يدي .
زعق أبي .. متهدج الصوت .. وكان الندم قد تسلل إلى صوته :
ـ ادخلي .. غرفتك يا مقروفة الرقبة .. واستري صدرك .
لكنها لم تأبه بكلامه :
ـ الولد بحاجة إلى دكتور .. يا ” قدور ” .
مصطفى الحاج حسين .
حلب

فيروزيات ........هايكو فيروز مخول



فراشات ملونة
عربة الجنون
من يسبق من ؟
سقط الظلام
هوى الحمام مضرجا بدمائه
في وطني
الظلام يأكل الدروب
بوابة الصباح بعيدة
كم عيون ...ستنطفىء
لا تقترب
النار قادمة
قد اشتعلت بي !!
سباق سباق
الخيول عطشى
من يقف في منتصف الطريق ؟
اختلط الأمر علي
ماء ... أم سراب ؟
اسأل بصيرتك
فيروز مخول

نص للناشطة الثقافية و الفنية السورية الشاعرة جومانا محمد سلحفاة…


لَمْ يكنْ لي عشْبٌ أخضر
كان لي مدّ المطر
ووقتٌ لا يقبلُ الغناء
وطريقٌ ممدودٌ عليه المطرْ
يجهلُ الكلمات
يُقلّبُ الساعات
بلونِ البرتقال
وأضواء الأعياد
في لعبِ الأولاد
مسافرون في وضَحِ النهار
السفينة راسية
والأمواجُ عاتية
الحاوياتُ على الرّصيفِ غافيات
المقاعدُ جالساتٌ حافيات
يا وجهَ الأَرْضِ الرطب
عليه المطر ينسكب
تهبُّ الحياة عليه تهبُّ تهبّ
فهبُّوا يا بني الانسان
ليكبُرَ المكان وتعمرَ الاوطان
اجمعوا الوقتَ باكراً
واجمعوا الحياة
إبدأوها كالسلحفاة
تمشي تمشي تمشي
وتنتهي الحركات
يطاردنا الليل
يطاردنا العتم
يطاردنا البرد
يطاردنا المطر
يطاردنا النوم
لنعودَ كالسلحفاةِ إلى قوقعةِ الحياة
إلى ساعاتِ الفجر الاولى
ثم نجري كالسلحفاة في خضَمّ الحياة
نجري نجري نجري
الى كل الغايات
سؤال يا إنسان
هل تشعرُ بالعرفان
إِنَّكَ أنتَ السلحفاة ؟
الغيمُ طبقات
إحدى عشر اثنا عشر
نعدُّ الساعات
ونُمضي الأوقات
على طريقِ السلحفاة .

حرية* .. غـادة الصبـاغ* *



شعري أطلقته للريح
مسرحا ..حرا
انثره للذاهلين
لا وزن لا قافية
بلا قيود
فـكلماتي لا تعيش مرهونة
لا تعيش في الزنازين
كلماتي لا تصدأ
لا ينام النسغ إلا في مفاصلها
شعري حي قيوم لا ينام
حروفي قصيدة هاربة
من ذاكرة مرهقة
من تعب
من شقاء
و من حنين
تشاكس البحر
لا تؤمن بالشطآن
قصيدتي لا تبحث عن موانئ
تعانقها الريح ..
فتمضي ..
تترنح مثل قارب
ثملة القصائد
و البحر نبيذ المسافات
مفرداتي حين تلامس شفاهي
تتحرر ..من الوزن
و من القيود
و من السجون
حروفي حين ابوح بهسيسها
تطير العصافير ..
و تشرق الف شمس و الف
صوفية!
_______________________
* من مجموعة نصوص صوفية
من الكتاب الشعري "حارسة الريح"
**غـادة الصبـاغ :كاتبة و شاعرة سورية .

مشاركة مميزة

الوجع ‏Diya Raman

سألت الدهر : متى ستمر سحابة الألم ؟ و متى ستمد يدك و تنقذني من الغرق من بحر الأوجاع ؟ أيها الليل كم أنت طويل !. مثل حقل شوك أمشي حافية في در...

المشاركات الاكثر قراءة