حملت حجارتها عدة إنتقامها، وأنطلقت بأقصى ما تملك من سرعة نحو الطريق الذي ستمرّ عليه الدورية الروسية- التركية المشتركة، وفي طريقها التقت بالكثيرين من أهالي قريتها ،كانت تحاول الأسراع في خطواتها لتكون أول من تصل، وتلقي التحية على كل شخص في طريقها،أنفاسها المتقطعة لم تمنعها من السير نحو ما خططت له منذ ليلة البارحة،أجتازت الجموع بثقة،تلك الجموع التي كانت تلتقط الحجارة من جانبي الطريق،تلك الحجارة الصلبة،القاسية التي تمتلك قساوة المقاومة و صلابة الإيمان،للحظة تأملت الحجارة التي أستقرت بين ذراعها و جسدها الناحل الرشيق،و أضمرت الثأر،و قد أطلقت العنان للسانها تلعن الغدر و العمل الجبان الذي تتشارك بها روسيا مع تركيا ضد أبناء شعبها الآمن، أبتمست أبتسامة خفيفة حملت أكثر من معنى،و أكملت سيرها بسرعة اكبر، لتصل قبل الجميع، جفّ حلقها،شعرت بحاجة الى ما يروي عطشها، حضنت حجارتها بحرص مخافة ان يسقط منها شيئا،فلكل حجرة قيمته حينما تمر مركبات الدورية.
ستثأر اليوم،و بعد قليل،فقد حانت ساعة الثأر،اعادت النظر في حجارتها،و تمنت في قرارة قلبها فيما لو كان بمقدورها ان تحمل كل حجارة الأرض و تدفن بها أعداء الحرية و الأنسانية، كان تصميمها يزداد عمقا و ايمانا كلما تأخرت الدورية، و كان صبرها ينفذ، فعيناها على الطريق تنتظر ظهور المدرعات القاتمة اللون، ستضربها بكل قوتها،و لن توفر جهدا في رجم عناصر الدورية بحجارتها...
قتلوا أغلى ما عندها وبأبشع طريقة وصورة ابنتها لا تفارق مخيلتها التي تصور لها تلك اللحظات الرهيبة،و التعذيب الوحشي الذي تعرضت له ياسمينتها النقية كالبياض،اية أياد قذرة،و أي قلوب حملت كل هذا الشر لتقطف وردة الأمل و البهاء،وردة كان لها ان تفوح و ان تصنع الحياة، وقفت الأمّ على الطريق وهي تنظر الى الأسلفت،تذكرت لحظات رهيبة،فعلى مثل هذا الطريق،كانت الجريمة،و كانت فاجعتها بأبنتها الجامعية الحالمة بمجتمع انساني نقي ،و بمستقبل اجمل لبلادها ، القت نظرة جديدة على الطريق..أرتسمت على محياها بارقة أمل و وعيد.
الدورية تقترب،و الجموع صاخبة،و الجميع يتفقد حجارته،و يتحين الفرصة التي تجعله يحقق أصابات مركزة، بدأ قلب الأم ينبض بقوة اكبر، شعرت ان قلبها سيغادر صدرها،سيتحول الى ألف حجرة،اقترب غريمها وهي تستعد للحظة الأنتقام ليس لأبنتها فقط، و انما لكل أبناء و بنات هذي الأرض التي لوثتها قذارة عدو محتل لا يقيم وزنا للحرية و للحقوق ، لم تكن تحمل أي حقد تجاه اي انسان، سئلت نفسها هل هذا يكفيها ان ترمي حجارتها على مركباتهم،هل سيهدأ قلبها،و هل ستخف النار التي في صدرها؟.
بدأت ترمي الحجارة بكل قوتها واحداً تلو الآخر وصوتها يعلو مع كل ضربة حجر و مع أصوات أهل قريتها الغيورين كبيرهم وصغيرهم وهم يهتفون بحياة الشهداء ويحيون وحدات حماية الشعب ويلعنون المحتل والخونة و المرتزقة ،اندمجت أصواتهم مع أصوات ضربات الحجارة على آليات الدورية التي اسرعت بالسير حتى إنّ إحداها خرجت عن الطريق بسبب حالة الرعب و الهلع من الأهالي الذين أرادوا الانتقام بتلك الحجارة لدماء أبناءهم الذين استشهدوا وهم يدافعون عن أرض وطنهم ضدّ هؤلاء المحتلين الغاصبين .
لم تتوقف الأم عن رشقهم بالحجارة، ولم تشعر بالتعب،ظهرت لها فجأة أبنتها كحقل من ياسمين ابيض بلله هطول مطر، وهي تبتسم لها، تلك الصورة منحتها العزيمة لترمي بقوة اكبر ،مثل لبوة جريحة كانت تصرخ مع كل ضربة حجر، لتصب جام غضبها على القتلة،ةربما تلك الحجارة هدأت من روعها،و أطفئت بعض من النار التي لا زالت تتقد بقلبها ،هي لم تكن لتحمل كل ذلك الحقد فيما لو ابنتها استشهدت في معركة ما على أرض روج اڤا، وهي التي لم تبخل على وطنها بأولادها،فقد كانت مدرسة في حب الوطن، وقد منحت ذلك الحب لبناتها و ابناءها ، كان وجعها عميقا، لا زال ينزف، هل تعلم ما معنى ان تسحل فتاة مشدودة من شعرها و الركلات تسحق عظامها لتستقر طلقات باردة بجسدها الذي كان شعلة من الوطنية و الجمال،كانت جميلة على هيئة وطن... ابتعدت الدورية،و الجميع يراقبونها حتى غابت عن أنظارهم، عندها تنفست الأم الصعداء و عادت نحو بيتها،شعرت ببعض القوة، و كثير من الراحة،عاد الهدوء إلى روحها المتوثبة أدركت ان الحياة ستنتصر على القتلة.
عادت الى غرفة ابنتها لتجد ان الجدارن قد تحولت الى حقل من ياسمين، وقفت امام صورتها المعلقة فوق مكتبتها لتتحول كتبها الى فراشات بيضاء حلقت عاليا..
و الأم واقفة بذهول...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كوثر مارديني: كاتبة كردية سورية..
برافو ياريت ذكرتي اسم هفرين لانو راح يضل هذا التاريخ نحن نعرف طبعا شهيدة اهلين خلف لكن في ما بيعرفو
ردحذف