قراءة في القصة القصيرة "سر السماء" للكاتب
بقلم اخلاص فرنسيس
Amir Fersoسرّ السماء
في لحظته الأخيرة وهو في قبضة الفتى قال بثقة:
- لماذا لا تمنحني حريتي أمنحك ما في السَّماء؟
- ردَّ الفتى بغرور: ما في السَّماء دائماً لي ما دمت أسعى إليه، وأنت الآن في قبضتي حكماً، فلمَ أقايض ما قدّر لي في السَّماء بما هو لي الآن حتماً؟!
- رد العصفور متأمّلاً السّماء، وجناحاه مضمومتان في قبضة الفتى: ما في السماء ملك أجنحتي، وما في قبضتك مُلك ذاته.
- ردَّ الفتى كمن يحدِّث نفسه: السَّماء وما فيها وما منها ملكي، آخذ منها ما أشاء..
ضغط بقوة على العصفور، فنظر العصفور إلى عينيه، وقال بثقة: انظر إلى السَّماء، لتشاهد ما بإمكاننا منعه عنك.
فجأة تجمعت أسراب من الطيور، وحجبت الشمس، وأظلّت الأرض.. ارتعب الفتى.. تراخت قبضته.. طار العصفور.. حلَّق عالياً.. خسر الفتى عصفوره، ولكنه عاد بسرّ السماء.
عامر فرسو
من مجموعة سرَّ البَقاء
العنوان "سرّ البقاء" ليس اعتباطيا بل فيه كلّ السرّ من خلال قصص قصيرة جدّا ورمزية جدّا.
فيها يبدع الكاتب عامر في تجسيد معاناة الإنسان الذي يرزح تحت العبودية ، مصوّراً لنا ذلك في حوار عفويّ بين العصفور والفتى.
هل من حقّ أي إنسان أن يسلب الحرية من جناحي كائن آخر؟ نعم لقد أطلق هذا العصفور روح الفتى من زنازين البشر، وأعتقه من نفسه. كم واحداً منّا هذا الفتى الذي يسجن بقبضة يده نفسه؟ وكم منّا من مشى على جثته دون أن يدري أين حريته؟ بل التفّ حول نفسه كما خيوط العنكبوت.
لقد رأيت في هذه القصة القصيرة ونحن في ذكرى الفصح، حيث صلب الحقّ على خشبة العار، فانحجبت الشمس، وعمّت الظلمة الأرض كلّها، وصار خوفا عظيما.
يحدّثنا التاريخ في سيرة ديوناسيوس الآريوباغي القاضي الذي دوّن حدث كسوف في الشمس وقت صلب السيد المسيح.
كان يدرس في جامعة هليوبوليس (مدينة الشمس) إحدى الجامعات اليونانية القديمة في مصر علوم الفلك والهندسة والقانون والطب، مؤكّدا أنّ سبب الكسوف هو أنّ إله الكون كان متألّماً، لأنّ حادث الكسوف الذي استمر ثلاث ساعات ليس أمراً عادياً بل هو فوق مقدور البشر، وفوق القواعد والتحاليل.
ما أقربها من الصورة هنا" تجمعت أسراب من الطيور، وحجبت الشمس، وأظلمت الأرض" ومن بعدها أعلنت السماء سرّها، حكمها، وأُطلق ذلك العصفور حرّاً.
إنّ حرية الإنسان من السماء، والبشريّ أحكم عليها قبضة الجهل والقسوة، بل ذهب أبعد من هذا بجشعه ووحشيته، وأعلن أنه يمتلك ليس أمر الأرض فقط بل السماء، وكلّ ما فيها من أجنحة حرة.
إنّ الحرية هي أبعد من ذلك وأثمن، إنّها لا تقيّد بين فكّي من تكبّر وتجبّر ونصّب نفسه إلهاً.
إنّ الحرية هي هبة السماء، منها تأتي، وإليها يرحل من يسعى إليها.
قراءة موفقة لقاص موفق في نتاجاته... دوام
ردحذف