صديقي الحميم الراحل عن دار الفناء إلى دار البقاء ...!
لقد كنت ،في زمن اللجم والصمت ، جريئا" على القول ،وكابدت ظروفا"قاسية"قاهرة"،فقد رافقتك الشقوة، وحف بك الفقر كمارويت لي مرة" أن أمك أنجبتك كالقذيفة في الصحراء بين العاكول والحرمل ؛ وعانيت ،في طفولتك ، التشرد والحرمان والبؤس ،وحين كبرت لم تطق رؤية وطنك محتلا"، فناضلت وكان نضالك مقرونا" بالمصاعب والمشقات ؛لأنك كنت وطنيا" غيورا" ذائبا" في تفاصيل أرض وطنك مرددا"
الوطن عرض ومن صان أرضه صان عرضه/،عاشقا" ترابه، مقاوما" زناة الليل ، وبغاة النهار ،فمن أجل ذلك عشقت سجاياك الحميدة التي بها كنت تتحلى كالصدق والوفاء ،والإخلاص والإباء ،والتضحية والشهامة، والمروءة والسخاء ...وقد مارستك صديقا"حميما" طوال ستة الأشهر التي امضيناها معا" في خدمة العلم بكلية الشؤون الفنية في حمص العدية ،وكان طبعي، ولايزال ، الهيام بالأخلاء الأوفياء ،فكنت - بحق - واحدا" منهم ...ألا ليت أيام الهناءة والحبور إلينا تعود ثانية" فنخبرها ماذا حل بوطننا وأبنائه الميامين ؛ لكنها - واحزناه...! - اختفت في أقبية الزمن السرمدي الأبدي. كان عشق الشعر يجمعنا ،وأذكر أنك أشركتني ليلا" في نظم قصيدتك عنوانها / متاريس / المنشورة في مجلة /الحرية/ اللبنانية ؛ وقرأناها معا"فرحين بنشرها ،فكان مستهلها : / شكرا" للزحف والترادف /.
خلي الوفي ..! كنت -كلما سنحت لك الفرصة - تنفرد بي لنبوح بأسرار قلبينا الكبيرين ،ونشرح عواطفنا المنهوبة ،ونتناقش أفكارنا المشنوقة خلف بناء شاهق فوق تلة خضراء بعيدا" عن أعين الرقباء.
والحق أنني مدين لك للكثر، وأقر لك بالعشرة أنك كنت شاعرا" مجيدا" ذا موهبة شعرية فذة ، ونزعة إنسانيةشمولية ،فقد أهديتني ديوانين أحدهما بعنوان
رجل يستحم بامرأة /، وثانيهما عنوانه :/أجزاء إبراهيم جرادي المبعثرة / ،غير أن نبأ وفاتك هزني من الأعماق ،فحزنت كثيرا"- أيها العزيز - على فراقك الأليم ، فقد تركتني فريسة القنوط واليأس ، ومت عزيزا" كريما" مأسوفا" على شبابك. أذكر جيدا" عبارتك البليغة التي دونتها بخط يدك في مقدمة ديوانك المهداة إلي : / الأخ الوفي محمود...! ليست قصة /مم وزين /لك وحدك .
وبعد ،فها أنذا أجدد اليوم أساي على فراقك الوجيع، وأقول لك بصراحة تامة :
نم -- صديقي الحميم -- هانئا" مطمئنا"؛ فيالهف نفسي عليك ،وعلى الوطن العزيز الحبيب الذي كنا أمناء عليه ،وأوفياء له ،ونقدس ترابه ،ونناضل من أجله ،وأبصرنا --قبل رحيلك -- كيف أن المتخاذلين والمأجورين ، والخونة والمأمورين ،قد باعوه ضحى"،وبثمن بخس دولارات معدودة. رحمك الله ،وأكرم مثواك ،وآنس وحدتك، وغفرلك ذنوبك ، وأسكنك الفردوس الأعلى نزلا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق