( انظر لساعات .. واضيع نفسي في جميع امجاد الاستكشاف . في ذلك الوقت كانت ثمة فضاءات فارغة كثيرة على الارض ، وكنت اذ رأيت بقعة تشدني على الخارطة .. اضع اصبعي عليها قائلا عندما اكبر سأذهب الى هناك ...... جوزيف كونراد .. قلب الاحلام ) .....
ليس بأمكاننا اليوم الوقوف بدقة على شاعرية .. فريدون سامان .. ومدى اصالة وابداع فنه الشعري حيث تتميز لغته الشعرية بالانسانية والبساطة وخياله بالانفتاح والخصوبة وصوره بالثراء والجمال .. انه احد المتيمين باختلافات القضايا التي تستنتج من خلالها معقولية الواقع ومن ثم توضيفها باتجاه استنطاق حقائق تختفي وراء كم هائل من التناقضات والارتكابات التي امضى بها في مرحلة من مراحل فهمنا اللاموضوعي لطبيعة الحياة الانسانية التي يحاول الشاعر ... فريدون سامان كشف ملف حقيقتها البنيوية واضعا اياها على محك التجربة السياسية والاجتماعية والفكرية لاستخراج مضامين الفصل الحقيقي للادراك الموضوعي الذي يخترق حاجز اللامعقولية واسدال الكشح عن كل ماله صلة بهذا الاتجاه او التيار الذاتوي المغاير لما يرتأيه فريدون سامان في محاولة منه الى ايجاد علل واسباب فلسفية تناقش القضايا من الجذور ومحاكمتها مبدئيا امام واقع الانسانية المتخثر بالقبيح والجراحات الايدولوجية الانسانية الخ...فريدون سامان وحين يناقش القضايا ويسلك الطرق المغلقة واحساسه النقدي بكوامن العبث في اللاشعور كل هذا يتيح لنا ان نلج في تلك المتاهات التي يحاول من خلالها فريدون سامان اقتيادنا نحو مايضمره من صراخات لم يستطع تفجيرها واطلاق العنان لها في المرحلة التي اكتشف فيها ان لامناص جدلا من ان هذه الاختلافات المستنتج من خلالها واقع مليء بالضجيج في ردم الهوه التي تقف حاءلا بين مايريده من كشف لحقيقة الغثيان وحالة اللاشعور السائحة في الاذهان المستسلمة لانفعالات الديالكتيك المنبعث من الخارج والذي يجد صداه في ذواتنا وبين جهاده من اجل نقل صور وانطباعات تعيش بالتماس من حركتنا التي تسير بالاتجاه المعاكس الذي آمنا انها حركة واقعية في الواقع وليس هناك ما يشوبها من جدل عكسي يفرض علينا ان نمعن في قراءته بدقة بيد ان الفكرة التي يرتأي شاعرنا المبدع ترسيخها على ارض الواقع هي ... اللحظة التي ندرك عندها وجودنا تجاه ما يتحرك على مساحة الزمن الذي نزن فيه طبيعة الواقع المرحلي من جهة وحتمية الثوابت ورسوخها وفق مقاييس فهمنا وادراكنا لموضوعية المرحلة التي تفرض علينا تقييمها على ضوء استنتاجاتنا العقلية حيث يبدأ شاعرنا في مقدمة قصيدته .. اختلافان .. موضحا الاسباب لدعوتنا لمثل هكذا استنتاج فيقول :
( المعادلات المعكوسة . عدوة التاريخ اللامتوافق للروح المعذرة يا .. كونفوشيوس
فوانيس العالم كلها لن تضيء دهاليز نفسي المعتمة
حياتي موت متدرج في انتظار عبثي
اعماقي .... هزائم وخمود ..)
ويمكن للوهلة الاولى من استنطاق القصيدة يبدو ان فريدون سامان يجاهد ان يقول انه لايمكن باي حال من الاحوال ان يتم هناك توافق جدلي بين ماهو معكوس تماما وعدم نمو النطفة فيه وعملية الجنين المتحرك في الاحشاء وبين التاريخ المزيف والذي لايتلائم بتاتا مع ما هو تأريخي اصلا وله جذوره الفلسفية كتأريخ بوقائعه واحداثه ومتغيراته وممارساته على طول خط العرض الفاصل بين ما هو تأريخي وبين انثلوجية الحكواتي العجوز الموهم بأسلوبه العتيق واللاكلاسيكي وهنا نقف عند نقطة اخرى ومحور من محاور حركة فريدون سامان الفكرية وكشوفاته الباراسايكلوجية ومجهره النفسي في كشفه مفصل من مفاصل الاختلافات وهي .. اللاشعور او مايسمى بالعقل الباطني اذا يؤكد شاعرنا الفذ على حقيقة واحدة فقط محاولا من خلالها اقناع الخصم المتمسك بجدلية القضايا اللامعقولة مثبتا بالدليل القاطع حقيقة حواره مع من يختلف معه في هذا التحليل الفلسفي اذ يقول :
( القضايا . الطرق المغلقة . قلق الانتضار الدائم امام الابواب المغلقة . الاحساس الكامل بالعبث في اللاشعور . هذه كلمات لم تولد ) ..
وكان شاعرنا قد اسقط عن دليل الحجة التي يتمسك بها الاخر جميع الاقنعة التي يحاول التستر بها في محاولة منه ايهام الحقيقة التي يقدمها فريدون سامان وادلته الدامغة امام كل ماله واقع ملموس واثر على محك التجربة الرائدة للشاعر بيد انه يتعامل مع ما يقدم من قبل الاخر كالذي يتعامل به الحكيم امام سفسطائية العنت والمكابرة وعدم الايمان بحقفيقة الاشياء الثابتة والمتحركة بشقيها المادي والمعنوي وهنا لايمكن اغفال استطراد ميتافيزيقي يرمق شاعرنا الفتى صوبه في وقت يتلمس فيه روحانية الواقع الترابي وهو يستجمع كل ما لديه من قوى في سبيل الوصول اليه مختتما بذلك اصول فلسفته التي انبرى في محاولة منه الى اماطة اللثام عن مكامن انبعاثها ومصدر تحريكها فيقول :
( السماء تصبح جذورا . اعمق من اتربة قيعان البحار . لتدمل مع الامواج الهائجة وامطار السحب الغزيرة ... الجروح متخدرة الأيدلوجية السياسية .. فراشات مطعونة هي الكلمات .. بلون اقواس قوس قزح لن تجثم فوق غصن صفحة متمردة ومهاجرة ) .
في اعتقادي ان ما يعتقده الشاعر من هذه الجذور والاعماق والاتربة الى اخر المطاف بين مد الجروح المتخثرة انه يتمسك برأيين لاثالث لهما .
الاول .. ايمانه العميق بدلالة الهدف السامي بحقيقة الوجود من جهة فلسفية لايرقى لها شك في أن الانسانية وحدة كلية لاتتجزء ولاتنقسم على نفسها على اعتبار الذات لاتقبل التعديل كذات واحدة بغض النظر عن طريقة التفكير الناتج عن البيئوية وانعكاساتها على ممارسة الدور الانساني .
الثاني .. تفسيره العقلاني لحركة الواقع المليء بالاختلافات والقضايا بعد خروجه من نفق الكشوفات والتنقيبات واعطائه صورة مغايرة لما يتحرك على ضوئه واقع الانسان المنتصب في ذات القصيدة الفريدونية ومحاولته ايجاد ايديولوجية تسود واقع التخلف الذاتوي الذي شمل معطيات الدراية للواقع وعجز على ثوابت ومعتقدات الطبيعة الانسانية في مرحلة من مراحل الفهم الفريدوني ......
واخيرا اقول كمراقب لحركة مدار القصيدة ان قصيدة اختلافات للشاعر فريدون سامان مخاض تجربة وصراعات عاشها الشاعر في مرحلة اشبه بالولادة ومخاضاتها العسيرة اذ يمكننا القول مرة اخرى ان قصيدة اختلافات هي محور قضايانا في وقت نعاني فيه من نقص شعوري تجاه قضايا لم تزل في رحم الكشوفات الفريدونية التي لابد لها من ان تجد طريقها في المسارالذي نكتشف فيه ذاتنا في بحر ذاته الواسع بحجم الصلاه...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق