أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts

******* أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts *******

الأربعاء، 13 يناير 2021

قراءة في بنيات المشهد الصوري الشعري في النص الشعري "من الشرق" للشاعرة اللبنانية أخلاص فرنسيس. القراءة بقلم: عبدالوهاب بيراني



النص:
"""""""""
الآنَ.. في هذه اللحظةِ
من الغربة
الهواءُ الآتي من الشرقِ
يحملُ في طيّاتهِ صوتَ وطني
الهواءُ ثقيلٌ جدًّا،
متخمٌ بأنفاسِ الأمّهاتِ الثكالى
وأحلامِ الطفولةِ المبتورةِد
وأماني الشبابِ المقهورةِ
ورؤى الشيوخِ المكلومةِ
البحرُ يعجّ بوطأة ظلمكم
يتأوّهُ الغيمُ المطهم بدخانِ حرائقكم
امتلأت الغربةُ بنا
اتّسعتْ حيثُ ضاقَ صدركم
أفرغتم الوطن الجميل
صرفتم أنظاركم عن وجعِ أبنائهِ
وصممتم آذانكم عن أنينهم
وأوقدتم الإنسانَ حطبًا على مذبحِ أطماعكم
مقهورًا ترمونهُ في سلالِ وعودكم
مني لكم رسالة
إلى أعداءِ الحياةِ أقولُ:
اعتذروا عما فعلتم بي، سرقتم مني قلمي وأمني، وسلختم عني وطني
اليومَ لكم أقولُ، من هنا من غربتي:
إخلاصي أكبرُ من خطاباتكم
ووجعي أطهر من جعجعاتكم
الأرزُ لن ينحني
صنينُ لن تدنّسهُ نعالكم
اليوم
يولدُ من رحم النارِ
طائرُ الفينيق
ينتفضُ.. ليكسرَ سلاسلَ الغيلانِ
دهشةُ الحبّ لبنانُ
عشقٌ مشتعلٌ وروحُ ثورةٍ
عزمُ الصخورِ شبانه
النبلُ والكرامةُ دماؤهم
شموخهُ وعطرُ الهواءِ نساؤه
يمزجن دمعهنّ بالرياحينِ
يجمعنَ أغمارَ الوردِ
يعجنّ الأملَ بخمرةِ الندى
ويستبدلنَ بالرصاصِ الياسمينَ
يزينّ ساحاتِه برائحةِ العنفوانِ
لن تحجبَ شمسَه طغيانُكم
ستقرعُ أجراسُ العزيمةِ
وتؤذنُ عنادلُ الليلِ
سنعلو على تآمركم
ونمشي على دربِ الهويةِ الواحدةِ
لا "الهوية القاتلة"
حاملينَ معاولَ الأملِ
نحفرُ الأرضَ جيلًا بعدَ جيلٍ
نزرعُ البسمةَ ونحصدُ الضحكةَ
ونملأُ الفضاءَ صهيلًا
نحن الكرامونَ، نحن الأبجديةُ، نحن همسةُ الوصلِ
بين الغربِ والشرقِ
ورسالةُ السلامِ وأغاني النبلِ
نحن غدُ لبنانَ الجليل
نحن اخضرارُ السهول
ورقصةُ السواقي في الوديان
نصعدُ من أتونِ ناركم
نكتبُ تاريخًا جديدًا على غصونِ أرزه
ننقشُ أسرارَ الخلودِ على جدرانِ جعيتا
لبنانُ ارتعاشُ المساءِ وصدى ألحانِ الجمالِ
أكبرُ من كلّ أطماعكم
وأحزابكم وطوائفكم
لبنانُ الأغنيةُ والترنيمةُ العلويةُ
ملحُ الشرقِ لن يفسدَه فسادكم
وغصنُ زيتونٍ
وإكليلُ غارٍ وأنشودةُ سكينةٍ وطمأنينةٍ.


القراءة:
""""""""""""
القامات الجميلة و أولئك الشباب اللذين خرجوا للشارع اللبناني كريح خريفية فاجئت الجميع اولهم حكومة بلادهم البليدة.. تلك الريح العاصفة التي رحبت بها أمواج الأبيض لتنقلها كاميرات الإعلام إلى اقاصي المعمورة و تلتقطها أحاسيس الكتاب و الشعراء فاكاد أراهم ينزلون الي الشارع و الساحات عبر نصوصهم الثورية التي تشق طريقها الوعر إلى ثورة خضراء لا خطوط حمر لها إلا خطين هما الوطن و المواطن لأنها باختصار هي ثورة العلم اللبناني.. ثورة الأرز و لعل الشاعرة و الروائية إخلاص فرنسيس هي من أكثر شاعرات لبنان المغتربات قربا من الحدث و من نبض الشارع و منذ لحطات الاحتجاج الأولى :(الان في هذه اللحظة من الغربة.. الهواء الاتي من الشرق) انها تسير مع الريح و من غربتها إلى ساحات الثورة حاملة علم لبنان و غصن زيتون أخضر تعتصر نسغ تاريخ لبنان و تشعل بزيته المقدس نيران ثورة تحرق زمنا أسودا تخشب و لم يعد لوجوده في بلدها الجميل لبنان الا رمزية للتسلط و لممارسة سلطة اقطاعية منحته الطائفية المقيتة تلك الصلاحية التي بدأت رائحتها تزكم الانوف و تغرب معلنة عن تفسخها المالي و الإداري و الأخلاقي و السياسي و لهذا فإن كل رموز السلطة في لبنان و كل خطابات ساستها لم تعد الا جعجعة بلا طحن يذكر.. نص إخلاص فرنسيس يعرج على مداخل عدة و يكشف عن بؤر فساد و أركان معتمة تضيئها بكلماتها الصاخبة والتي تعود بنا إلى حقبة من زمن لبنان.. لبنان الحرب و لبنان الجميل الذي لابد للسواقي مرة ثانية ان تدندن كما بوح فيروزها الخالد..
مفردات النص تأتي بصخب و تتماهى مع جمال لبنان فتهدأ و ترتدي مسحة ملائكة نقية و لعلها النفس الشاعرية و اللغة داخل اللغة و استخدامها الرمزي الدلالي كما موج البحر حينما يرغي و يزبد و يثور حين العصف و يهدأ.. الموج الذي لا يبالي بالصخر حينما يثور...فهي تنشد للبنان هوية مواطنة لا هوية القتل هي تريد لبنانها نقيا بهيا تكتب تاريخه على أوراق ارزها رمز شموخها تطلب للبنان ان تطير بجناحين قويين كالفينيق لمجد مركبه البحري الأول ليكون ترنيمة علوية و كرامة و ملح الأرض و اكليل نصر و عطاء من جديد..
فهي تنتقد كل رموز و كل خطابات و كل فاسدي لبنان و تريدها ثورة خضراء تعصف بكل رماد سنوات التحزب و الطائفية.. انها تنتقم لكل لبناني و لكل لبنانية فاعداء الحياة في لبنان جرحوا وطنها و سرقوه و رموا شعبها الجريح في منافي الأرض و لكنهم فشلوا في إسكات الحناجر التي صدحت بكرامة و عز و حرية لبنان الواحد فملؤا فضاءه زهرا و اكاليل غار فمن قساوة صخر صنين و علوه و سموه و من عتمة مغارة جعيتا برمزيتهما. و من قلب نساء لبنان المفعم بالحب كانت ثورة تنشد للسلم للانسان للحق و للجمال..بمعاول الأمل ستعود الضحكة لوجه لبنان و يعود الفينيق مرفرفا جناحيه و يعود الأرز بهيا شامخا..
احاسيس و مشاعر مفعمة بالثورة و بانتصارها وهي تسرد تاريخ من القهر و الوجع و الموت و تنكأ جرحا لم يندمل و تستبدل كل ذاك الألم برمزية بياض الياسمين و غصن زيتون أخضر و عبر مشاركة نساء لبنان و شاباته اللواتي استبدلنا الرصاص بالياسمين و اللواتي حملن معاول التغيير الاتي.. تلك التفاؤلية الثورية التي لا تغيب عن نص إخلاص فرنسيس و كيف لا..؟ وهي المرأة التي حملت السلاح و التي دافعت بقلمها عن فقراء و بسطاء و عشاق لبنان الواحد..
في هذا النص تتوحد رؤى الشاعرة و المواطنة بكل إخلاص وهي تندد بالظلم و ترسم لوحة للبنان اجمل... لبنان قادم كفجر جديد.. كما ساقية حاملة بماء دافق نقي يغني وهو في طريقه للوديان حيث العشب و الفراشات و الندى و صوت فيروز...ينداح مع المدى : بحبك يا لبنان...و رقصة السواقي في الوديان..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الوجع ‏Diya Raman

سألت الدهر : متى ستمر سحابة الألم ؟ و متى ستمد يدك و تنقذني من الغرق من بحر الأوجاع ؟ أيها الليل كم أنت طويل !. مثل حقل شوك أمشي حافية في در...

المشاركات الاكثر قراءة