أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts

******* أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts *******

الجمعة، 9 أبريل 2021

سوسيولوجية فضاء الرمز الشاعر: فريدون سامان نموذجاً بقلم/رحاب حسين الصائغ


مع اول مركبة فضائية لم تخترع بعد، حلَّقتُ بتأني في فضاءات المجموعة الشعرية ( أمتلئ عشقاً منك ) للشاعر فريدون سامان، تحتوي على ( 15 ) قصيدة، لها تفاعلية الرمز وسوسيولوجية *براجماتية، ذات الوعي الفاعل عند الشاعر، قاده لخلق صورة عن ما يعتلج داخله من مشاهدات، متأثراً بالعلاقة الجدلية بين الواقع والمعاش وذات واقعية، همها تعريف مفاهيم الحياة بصورها الجادة وليس المختزلة. واهتمام فريدون سامان بهذا الجانب فرض عليه، دخول عالم الرمز، لمعالجة مشكلات تواجه محيطه وبيئته، محاولاً وضع ما يجده متعانق مع افكاره في هذه المجموعة، تأخذنا القصائد في عموم منحناها السوسيولوجي عند الفرد في مجتمع قُهِرَ وابعد وسلبت معظم حقوقه، وما زال يعاني الاجترار من ويلات ما اصابه، ومشكلات جذورها مفعمة بالألم، رغبة الشاعر فريدون سامان، هي محاولة لكسب الوقت وتنظيم المستقبل، حيث يجد ان علم الاجتماع يؤمن بالتنظير، والاهتمام بمفاهيم التفاعل والاتصال المنبعث من دور فهم ما ورائيات الماضي وتاثيرها على اسس الحاضر، لذا حمل مركز لغته الشعرية الرمز.
ونجد في قصيدته الاولى ( نار تحرق نفسها )ص (7 ) في مجموعته الشعرية ( امتلئ عشقا فيك) الاثر النفسي المتعلق بدلالات واضحة، بين الانا والذات في تشكيل صوره الفنية في قصائده، ورسم صورة الشهداء من ابناء جلدته الذين لا عدد لهم ولاحصر، حيث يقول:
التحقت بقافلة الملائكة
المتلفعات بالأردية البيضاء
(* البراجماتية: اهتمت بالخبرة الانسانية بوصفها منبعا للمعرفة.)
مقسما فضاءات القصيدة الى لوحات زاخرة بالمعاني المتشابهة، وبتناسق يرمز للمعاناة العامة لهذا الشعب الذي قاسى جحيم الذل، بينما تداخله فريدون عوامل رواثية يريد التخلص منها، ومن مردوها البغيض في نفسه، قاصدا في كثير من اشاراته الى الجزء السلبي، لها تعاريف لا طائل للتوغل باحراشها، بحثا عن سحب افكاره الى حالة خارجية وايجابية يحسها ، كأنه يعود متسائلا، حيث يقول في نفس القصيدة:
هذه الارض القاحلة الجرداء
التي تقتلع النباتات والاشجار
من جذورها اينما كانت مغروسة عليها،
لا يمر يوم
ولا تمضي ساعة
ان لم تذبح على هذه الارض
الحمائم الجميلة الوادعة
وتراق دماؤها القانية
نلاحظ انه يرمز للانسان البريء، وخاصة الاطفال والإناث، بالحمام الوادع، اقتلع في عملية التهجير والانفال واخذ غصبا الى الموت باسلوب بشع، ولم تنصف حتى النباتات والاشجار، وأشار الى ان الاقتلاع من الجذور شمل كل ما مغروس في ذلك الانسان المضطهد الذي تعرض للابادة والموت القصري، ثم يتحول الى وضع آخر عاشه الشعب الكوردي، وقصد به المهمشين من الناس، البائسين والمقعدين، ومن اصبحوا بلا سقف يحميهم، ومن لا حولة لهم ولا قوة غير التضرع بالصبر، حيث يقول:
المعبد
هو مأوى جميع الغرباء والبائسين
وكل الشيوخ والمقعدين والمجانين
الذين يقيمون فيه
حلقات التوسل والتضرع والدعاء
اجواء الموروث والخرافة هي هموم الانسان المستلب، ولم تعد تعتبر في الحاضر من مكونات فكر الفرد الآ ني، الفرد في هذا العصر يحتاج للخروج من القوقعة، اما اللجوء الى الخواء او الافكار الباليه التي لاصبحت لا تنفع في شيء يجب ان تخرج من قيمتها المقيته، ويحل محلها العمل والاندفاع نحو الحياة والتطلع لما هو اسمى، واشارته لنوع من البشر البائسين والمقعدين والشيوخ والمجانين، هم حفيف العبد وملئين فراغه، مع انه لم يذكر المساكين، والببؤس ياتي من شقاء الحياة وضنك العيش واجواء القهر والجوع، الجمالية تكمن في الخلق لافكار الشاعر فريدون، ومحاولة فكه المفاهيم الشعرية واباحة طرحه المتميزة في التفنن باستعمال الرمز، واظهار صورة فنية رائعة حول نوع هذا الجمع من البشر، ثم يعود لعرض وضع آخر أحب ابرازه، يقول:
بأنَّ ( دياكو) وقد وضع الان على رأسهِ
تاج الانتصارات ( ميديا)
تاجاً شامخاً بعلو قمم جبال كوردستان
وبمدى طول القامة
للأنهر التي تجري فيها دماء الحمائم الوادعة
الجميلة
اعطى لهذا المقطع الاخير للقصيدة صورة رمزية جميلة عن الانتصار والشموخ وهو يؤكد هنا ان نفس الشعب قادر على الايجاد النصر والعمل من اجل الوطن والارض والمكان والفرد، ولكن النصر لم ياتي من غير جهد وتضحيات، والشاعر فريدون في مجمل القصيدة يطلق سؤلين الاول كيف؟ والى متى؟.
قصيدة ( مدائح العشق)ص (42) يمحور فيها عذابات الانسان المعذب في مدارات الحياة، ويقدم العشق على انه القوة الماحقة لكل قهر وظلام، ويشير الى انه الشريان الوحيد لقمع الصراع الدارج لمفاهيم الحياة عند الفرد والمجتمع، حيث يقول في بداية القصيدة:
لم يزل للعشق موسم آخر
وموعد في ملتقى العشاق
وتفاؤل للاحاسيس
ومعانقة الروح
الشاعر يعلم جيدا ان تلك المشاع لا تسوف ولا تشيخ ولاتتغير عبر الزمن، ان علم الانسان كيف يستفاد منها، سيكون مثالاً للانسان القوي والمتمكن من كل مشاكله، فالانسان عندما يكون كالعاشق، يكون جاد ومتبصر خاصة اذا ملك الوعي وعرك التجارب، في نظر الشاعر فريدون، لو ادرك الانسان قيمة العشق، للحياة وللارض ولنفسه وللآخر الذي يتعايش معه، مثل الاقرباء الاصدقاء وكل الآخرين المحيطين به لوجد للحياة طعم آخر، العشق يجمع بين طياته كل صفاة المحبة والتفاني والتضحية، لما فكر ابداً في ابادة بعضه بحجج واهية مبتغاها الطمع والسلطة، حيث يقول
اليوم والامس ،
الغابات تصبح صخوراً
البداية تكون النهاية
أيها العشق لتمتد يدك نحو
حتى تنقذني
في قصيدة (عناصر العشق) ص ( 51) هي الاخرى وفق طروحات القصيدة السابقة، تصورات رائع تتماوج في مذهب العشق، يربط من خلال العقل المدرك على قدرة الانسان في نسخ متبادل لحالة الوجدان النفس البشرية لها قدرات فائقة في التمكن على تسهيل عملية العلاقة بين الوسط الاجتماعي والذات التي تحتوي الجسم العضوي، الشاعر فريدون سامان تفاعله العميق دفعه ان يعمل على خلق الرموز في شعره، وبذلك قرب الاشارات في استخداماته اللغوية، ليولد عملية تفاعلية مع المجتمع، وصبَّ قدراته الابداعية في نمط متميز، رغم ضيق الانا عند الفرد في مجتمعه، أ ن جده يقول:
العشق كتاب اسرار
لم تزل رموزه خافية عنا لم تفك
عشقه حلم قزحي الالوان
لطفل رضيع
كخمر معتق وكأنقى الخيال
عشقه عسل مر..
اهتماماته السوسيولوجية آتية من العالم المحيط به، دفعته للسعي الى تطوير الوعي في ملكاته الفكرية، والجدير بالذكر ان الابداع الذي يستمده الشاعر فريدون سامان من تحرر الوعي عنده، هو تحويل افكاره الى حالة الخلق الجمالي في قصائده التي تمثل ثقافة الانسان الكوردي المعاصر، حيث يقول:
فليس هناك من يسأل
عن المشاعرحتى والى اين ترحل
الان وعندما يصيبني الهذيان احيانا
يصيبني حمى الشعر فلا يفك عني
فان روحي تتقطر دما قانياً
حصيلة تفاعل الذات الداخلية من هذا الفهم للتحرر، تقوده الى رؤية الوعي في ( الانا )، انه لا يستجيب للواقع المر المنكسر، فنشأته لها توجهات ايجابية نحو تشكيل رؤياه الشعرية، حيث يقول:
والنار تلبسني ثياب عشقها
فاتحول الى رماد في الموقد
فخيال عشقها يبعثني
الى الحياة من جديد
قصيدة ( وصية حالم ) سماتها تعتلي بوح التخيل وخطاب الموروث، وفيها استنطاق صارخ، نتج عن ملكة الشاعر وذاته المنعكسة نحو التطلع الى قيمة الفرد، الذي هو جزء من الكل، فيما يقع من علاقته بالمجتعمع، خاصة المجتمع الذي يراد صناعته من جديد وفق ما هيات حضارية، مما يؤكد رؤيته السوسيولوجية النابعة من التفاعل المنغرس في مفاهيمه، في محاولة لإدراك المنكسر، حيث يقول:
ليلة احتراق ابراهيم
وانتشاء بوذا
حيث كانت روح الله
على حد السيف
وفي مقطع آخر من نفس القصيدة يقول:
كنت أتلوى مضرجا بدمائي
حيث سلخت جلدي
احتفاء بعيد القرابين
وها اني فريسة للطاعة والخذلان
ودمي تأشيرة جواز مزورة
وجمجمة رأسي، هي ضريبة العبور
أوجد في صورته الرمزية، التداخل بين الموروث والحدث المعاش، لشعب قد تضحيات، أما نعكاساتها تخللها عذابات ليس يسهولة ان تتندمل، اعطى فريدون جزء من البلاغة المقصودة في الطرح، فكانت الشعر عنده القاعة واللوحة والمشاهد، في عملية التصوير الفنية لمضون القصيدة، واحتفائه بالصورة الفنية المتشسحة، بما يشبه الشكل المخروطي للحالة النفسية للشاعر والمتلقي
تقديمي للشاعر قريدون سامان، عن مجموعته الشعرية ( امتلئ عشقا منك) واتشغالي على أربعة قصائد، لما تحمل من مدلول بارع في تشكيل الصور الفنية في استخدام الرمز، من خلال رؤياي لما تتضمنه عموم قصائد الشاعر فريدون سامان في هذه المجموعة، على اختزال الرؤية الشمولية للمجتمع، في نطاق
الاتجاه الوظيفي للحياة، لذا كان تركيزي على مفهومه للعشق، وقد اجاد فريدون في اعلاء معنى هذه المفرد الغائبة في ذات الوعي العام، مع انها ضمن التفاعل اليومي في حياة الفرد، رغم كل معاناته المستمرة في كل الازمنة، مع هذا لم تستهلك قيمتها في التعايش التفاعلي بين البشر، لكنها اصبحت كشيء تراكم عليه كم هائل من الاهمال، لظهور وطغيان مفردة المصالح الشخصية، بالفعل حقق وجه التشابه في طرح المضمون للمعنى المقصود في دلالاته اللغوية في سمة رمزية، متأرجح بين الغموض وما يرادفه من قصد ازاء اطمئنانه للمستقبل، بتقديمه مشاعات المعرفية من قبله، وعلاقة خطابه الشعري بالعالم المحيط به عبر بيئته،وتأويلاته الانزياحية، في خلق جمالي وابداعي ينهض من خلاله الى تكثيف المفهوم الادبي في تاريخ الثقافة الكوردية، والعودة لقيمة التعبير الفكري، ومن رؤى الشاعر ان الجيل القادم لم يفترض مصيره، ولم يجد امامه غير وطن منهك يفرض عليه تناقضات يعاصرها عبر زمن يعيشه، ولابد ان يكون مع الواقع، وآماله تنطوي تحت انحناءات ممكن تجاوزها.
*الكاتبة/ ناقدة من العراق/ الموصل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الوجع ‏Diya Raman

سألت الدهر : متى ستمر سحابة الألم ؟ و متى ستمد يدك و تنقذني من الغرق من بحر الأوجاع ؟ أيها الليل كم أنت طويل !. مثل حقل شوك أمشي حافية في در...

المشاركات الاكثر قراءة