أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts

******* أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts *******

الأحد، 17 يناير 2021

موطن النرجس....فدوى حسين

الشتاء حلّ باكراًهذا العام أم أن الطبيعة أحبت أن تشاطرني الحزن في ليلتي هذه ,فقطرات المطر المنزلقة على زجاج نافذتي تشارك دموع قلبي المتدحرجة علي سفوح خدي الذابل، وحدي أجلس في حجرتي هذا المساء لا يؤنس وحدتي غير ظلال ضوء الشمعة المتراقص على أنين زفراتي، دموعي المنهمرة تجرف معها براعم ذكرياتي، في ذات الغرفة كنت أرقص فرحاً وأنا أجرب ثوب العرس المرصع بحبات اللؤلؤ الناصعة البياض، متمايلة ًكغصن ريحانٍة في مجرى النهر على إيقاع دقات قلبي وسط تصفيق وغناء صديقاتي، نسمات الهواء المسافرة تتلاعب بستائرها فترقص معي ، أرجاء الغرفة يُنبت الزهر بهجة ًبي، أيام ٌثلاث تفصلني عن فرحة العمر بقصة حبّي التي ستكلل بالزواج بعد عامين من الحب والانتظار، حب عصف بي وهز أركان روحي حين التقيته في عرس إحدى صديقاتي ،وحده هو من تعلقت به عيناي وبدأ يتسلل الى روحي، كل الموجودين اختفوا المسافات بيننا تلاشت لا اصوات ولا موسيقا وحده صوت الحب الصادح من قلبي بدأ يهذي به ، وبقيت على حالي تلك أيام إلى أن التقيته مرة اخرى في صدفة مفتعلة عند إحدى صديقاتي، بادرني الحديث عن تعلقه الكبير بي وعدم مفارقة صورتي لخياله وحين أردت الحديث عما يخفق به صدري تعثرت كلماتي بأنفاسي، فاكتفيت بابتسامةٍ خجلة ، وكعادة  أي أنثى تصنعت الاستغراب لحديثه متحاشية النظر في عينيه ، فبريق الحب في عيني كشمس الصيف الحارقة لا يمكن أخفاءه وتوالت الايام واللقاءات واللحظات الجميلة وكل يوم يمضي نزداد تعلقًا ببعضنا أشعر بضيق قلبي الصغير الذي  لم يعد يتسع لكل هذا الحب.. لم يكن كأي شخص عرفته جامعاً أجمل الصفات واثق النفس عزيزها شجاع ٌكريم ٌمحب حين كنت أجلس معه يشعرني بأني ملكةٌ على عرشها تحميها جيوش مدججة ، كلماته تنقلني لعوالم وأزمان وردية وحده الوقت كان يغدر بنا حين كان يتسلل من بين عناق أرواحنا دون ان نشعر به لازال صوته يتنفس في مسمعيّ(إنه عبق النرجس الكردستاني المحيط بنا إنها رائحة الوطن) نعم فاللاوطان روائح تعرف بها فيقبض حفنة من التراب ويشتمها(كلاكما تعبقان بنفس العطر فأنت مجبولة من تراب هذا الوطن وكلاكما عشقيّ الأبدي)فتنتابني غيرة ٌنسائية من حفنات التراب تلك يبددها موعد العرس الذي تم تحديده بعد مدة فأنا معشوقته التي ستحظى به قريباً ،لكن رياح السموم التي هبت علينا وبدأت تنشر الموت والخراب أينما حلت دفعته ليأتيني على عجل مودعا ًفقال :قررت الالتحاق بقوات البيشمركة  فلن نسمح لأحدٍ ان يقتلع أزهار النرجس ويدنس عطرها سنسقيها بدمائنا لتبقى تعطر أرجاءنا ، ودعني واعداً بالعودة منتصراً في موعد العرس، ورحل ورحل معه قلبي الذي يشاطره حب هذه الأرض منبت الأزهار والرجال، ومرت الأيام وأنا أنتظر عودته لأزف اليه كما تزف اليّ أخبار انتصاراتهم في جبهات القتال، وفي غمرة الفرحة أترقب عودته بين صديقاتي الفرحات بي بعد أن وصلتني رسالة منه يخبرني فيها  بعودته في موعده لحظات فرح ٍمزقتها صرخة أم تفطر قلبها فأصابت شظايا بلورها كل مفصل مني أسرعت الخطى فتعثرت الخطوات بخطواتي التي لم تكد تحملني إليه نعم هاقد عاد إلي محمولا ًعلئ ا لأكتاف غارقاً في دمائه بعينين مفتوحتين ضاحكتين كل جزء مني يصرخ باسمه عبراتي اختفت لا تعرف للخروج سبيلاً دموعي اعتكفت في محجريها تأبى القبول اقتربت منه جاثية ًمنهارةً على ركبتيّ اتلمس وجهه ثيابه شعره المغّبر بثرى هذا الوطن للمرة الاخيرة قبلت جبينه المدمى فشممت عطر النرجس النازف من عروقه وعدني بالعودة وعاد ولكن كيف عاد. عشقني وعشق الوطن وكنت سأعلن انتصاري ولكنها انتصرت علي فعشقه لها كان الأكبر كنت أحلم به يتوسد حضني لكنه اختار أحضانها مسكنا أبديا يفترشها ويلتحف بها وأنا لم يبق لي غير احتضان تراب قبره الندي ، وعدني أن يعود الىّ حاملاً  الأزهار وأنا أرتدي الثوب الأبيض وها أنا ذا أحمل إليه الأزهار وهو في ثوبه الأبيض، هنيئا لك أيها الوطن ما أخذته مني وهنيئا لي حفنات من تراب أشتمها فأشم عطره منها فهو مجبول فيها .محطة ٌمن ذاكرة الانسانية اتقاسمها مع الكثيرات في أرجاء هذا الوطن الذي سيبقى يزهر بدماء ابطاله ينجب الرجال كما يُنبت أزهار النرجس...أشهرٌ مرت وانا أسامر ضوء شمعتي وذكرياتي نذوب معاً كل ليلة وترحل عني ولكن سأسبقها هذه المرة وأخلد للنوم وكلّي أمل بصباحٍ تفوح منه حرية الأوطان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الوجع ‏Diya Raman

سألت الدهر : متى ستمر سحابة الألم ؟ و متى ستمد يدك و تنقذني من الغرق من بحر الأوجاع ؟ أيها الليل كم أنت طويل !. مثل حقل شوك أمشي حافية في در...

المشاركات الاكثر قراءة