أتقن العربية تماماً مثل لغتي الكردية بل ربما أكثر منها، وهي كانت، خلال محاولاتي
للبدء بتدوين هذه الرواية، تجذبني بقوة إلى ملكوتها الواسع، لكنني كنت أّصُدُّها، أقاومُ إغراءَها الكبيرَ خشيةَ الغرق في لذائذ عمقها اللانهائي. كانت اللغة العربية حسناءَ خارقةَ الجمال تغويني وتراودني عن نفسي وتُسحرني بفتنتها كلما اشتد عليَّ الكرب وشعرت بعجز لغتي في التعبير عن النار التي تتقد بين ضلوعي، لكن لغتي الكردية التي شغفت بها وعملت على النبش في طبقات تلالها والغوص في أعماق بحرها كانت تمنعني كل مرة من الافتتان بالعربية والوقوع في أحابيلها فأصدها وأكبِتُ جَوَايَ في أتون قلبي. ثم حدث أخيراً أنني وقعت في خضم امتحان رهيب. لقد وقفت في حقل جاذبية لغتين مختلفتين، إحداهما لغة أبي وأمي وإخوتي وأترابي في ملاعب الطفولة وعلى مقاعد الدرس، لغةُ أولِ فتاةٍ أحببتها، لغة قلبي "نصف قلبي" وأحلامي وكوابيسي وهذياناتي ورواياتي وأشعاري التي حرقتُ نصفها ذات ليلة ماجنة. والثانية لغة كتبي الأولى ويومي الأول في المدرسة، لغة إلهي السماوي وديني وقرآني الذي كانت أمي تطبق دفتيه أمام وجه كل فرد في العائلة تصيبه وَعْكَةٌ لِتَهُبَّ الحروفُ المقدسة برائحة الشفاء. لغة شرطة بلدتي أيضاً ومخابراتها والمعلمين القساة، لغة الكتب التي كانت مكتبة جدي وأعمامي وأبي الشيخ تعج بها فكانت أولّ ما تراه عيناي في هذه الدنيا من كائنات ورقية. لقد راودتني فكرةُ مغامرة تمثلت في كتابة روايتي الجديدة بالعربية فهممت بها وهمَّت بي لكنني سرعان ما استبعدت الفكرة بعد أن قلت لنفسي: "لقد صنعتْ لي رواياتي الكرديةُ الأربعُ السابقةُ مجداً وجمهوراً عريضاً من القراء لا ينبغي أن أخونهم، هذه مخاطرة كبيرة لروائي يحترم معجبيه ويحترم تاريخه الأدبي". ثم عاودتني فكرة الكتابة بالعربية من جديد بإلحاح وفتنة أكثر من ذي قبل: "وماذا أفعل بمخزوني من هذه اللغة الفاتنة! الضرة القوية للغتي! ماذا أصنع بما تراكم لدي من عشرات آلاف الجمل والعبارات التي ترسبت في قاع خيالي مثل مياه جوفية تتنظر أن تشق طريقاً للأعلى لتنفجر كينبوع مقدس! ألا أخونها أيضاً وأخون من يتكلم ويقرأ بها حين أَضِنُّ بما عندي من فيض أحاسيسها وأحبسها في قعر الذاكرة العميق"!
للبدء بتدوين هذه الرواية، تجذبني بقوة إلى ملكوتها الواسع، لكنني كنت أّصُدُّها، أقاومُ إغراءَها الكبيرَ خشيةَ الغرق في لذائذ عمقها اللانهائي. كانت اللغة العربية حسناءَ خارقةَ الجمال تغويني وتراودني عن نفسي وتُسحرني بفتنتها كلما اشتد عليَّ الكرب وشعرت بعجز لغتي في التعبير عن النار التي تتقد بين ضلوعي، لكن لغتي الكردية التي شغفت بها وعملت على النبش في طبقات تلالها والغوص في أعماق بحرها كانت تمنعني كل مرة من الافتتان بالعربية والوقوع في أحابيلها فأصدها وأكبِتُ جَوَايَ في أتون قلبي. ثم حدث أخيراً أنني وقعت في خضم امتحان رهيب. لقد وقفت في حقل جاذبية لغتين مختلفتين، إحداهما لغة أبي وأمي وإخوتي وأترابي في ملاعب الطفولة وعلى مقاعد الدرس، لغةُ أولِ فتاةٍ أحببتها، لغة قلبي "نصف قلبي" وأحلامي وكوابيسي وهذياناتي ورواياتي وأشعاري التي حرقتُ نصفها ذات ليلة ماجنة. والثانية لغة كتبي الأولى ويومي الأول في المدرسة، لغة إلهي السماوي وديني وقرآني الذي كانت أمي تطبق دفتيه أمام وجه كل فرد في العائلة تصيبه وَعْكَةٌ لِتَهُبَّ الحروفُ المقدسة برائحة الشفاء. لغة شرطة بلدتي أيضاً ومخابراتها والمعلمين القساة، لغة الكتب التي كانت مكتبة جدي وأعمامي وأبي الشيخ تعج بها فكانت أولّ ما تراه عيناي في هذه الدنيا من كائنات ورقية. لقد راودتني فكرةُ مغامرة تمثلت في كتابة روايتي الجديدة بالعربية فهممت بها وهمَّت بي لكنني سرعان ما استبعدت الفكرة بعد أن قلت لنفسي: "لقد صنعتْ لي رواياتي الكرديةُ الأربعُ السابقةُ مجداً وجمهوراً عريضاً من القراء لا ينبغي أن أخونهم، هذه مخاطرة كبيرة لروائي يحترم معجبيه ويحترم تاريخه الأدبي". ثم عاودتني فكرة الكتابة بالعربية من جديد بإلحاح وفتنة أكثر من ذي قبل: "وماذا أفعل بمخزوني من هذه اللغة الفاتنة! الضرة القوية للغتي! ماذا أصنع بما تراكم لدي من عشرات آلاف الجمل والعبارات التي ترسبت في قاع خيالي مثل مياه جوفية تتنظر أن تشق طريقاً للأعلى لتنفجر كينبوع مقدس! ألا أخونها أيضاً وأخون من يتكلم ويقرأ بها حين أَضِنُّ بما عندي من فيض أحاسيسها وأحبسها في قعر الذاكرة العميق"!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق