أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts

******* أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts *******

الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

من الأيقونات الكردية الفنان التشكيلي والموسيقي ملك الناي (البللور الكردي_billûr) الراحل عبدالرحمن دريعي...


من الايقونات الكردية الفنان التشكيلي والموسيقي ملك الناي (البللور الكردي_billûr) الراحل عبدالرحمن دريعي...

عبدالرحمن دريعي تجربة حياة..
(مشوار مع الفن و الادب و الألم والفرح...تجربة إبداع).

عبير عبدالرحمن دريعي*

على هذه الأرض الممتدة ما بين سهل سروج و سهل الكوكب و سنجار.. في تلك الفسحة المكللة بنور الشمس كان شهيقه الأول و زفيره الأول...
عبدالرحمن دريعي فتح عينيه على ربيع عام 1938 كانت ولادته في قرية قزانبوك و درس الابتدائية في قرية جولمه بريف عامودا المدينة التي عاش في ظلال بيوتها الطينية و في قراها
الكثير من أطفالها الذين انطلقوا نحو عوالم العالمية في الأدب و الفن و السياسة..
غمره الضوء و فتن بالألوان التي من حوله، رأى تعاقب الفصول في كنف عائلة لا تقيم وزنا للموسيقا او الفن، ارتاد مدرسة القرية مثله مثل أبناء جيله...
شهد حفلات الزفاف في القرية انجذب إلى صوت الطبل و المزمار.. غرق في عشق الموسيقا.. إيقاع قلبه ونبضه.. زقزقة العصافير و أصوات الغنم و الماعز كانت تشكل سيمفونية عذبة...
اغواه الرسم و اللون.. بدأ يرسم على الجدران خربشاته الأولى،رسم عوالم طفولة القرية،كانت بيادر القرية تخوم عالمه،و كان الافق الازرق هو الحد الفاصل مابينه و بين العالم،تتلون فصوله ما بين شمس ظهيرة الصيف حيث القطا و العصافير و بيادر القمح و مواسم الخضرة والألوان،كما كان المطر في نهاية الربيع يعني له الكثير و حينما كانت بحيرات البرك التي شكلتها امطار الشتاء تجف.. كان قاع البركة الطيني يعلن عن نصاعة و ملاسة ناعمة فيبدأ الطفل بالرسم
يرسم تنور القرية على مكعب طيني، و من ثم يرسم أغناما على لوح آخر و شخوص من القرية،يرسم مدرسة و طلابا
و شمسا هناك و بيوت قريته..او
يرسم حلقة دبكة و عازف مزمار
ليعود في اليوم الثاني فيجد ان أشعة الشمس و لفحات الهواء الحارة قد يبست الواح الطين الملتصقة بقاع البركة و تحولت إلى مربعات و أشكال هندسية.. في مرحلة لاحقة أغواه الطين فلم يعد يكتفي بوشم السطوح الطينية في قاع البحيرات المطرية...
صنع من الطين مثله مثل أبناء جيله اللذين لم يعرفوا و لم تتسلل إلى معارفهم و لغتهم مفردة هدية او لعبة للطفل، كان عليه كما غيره ان يصنع العابه.. فأن كانت الأمهات يذهبن لصنع دمى من عيدان الأعشاب اليابسة و رقع القماش المتبقية من أثر تفصيل ثوب ما. او رقع اثواب بالية،فانه ابدع في صنع مجسمات طينية و يتركها في عراء البرية،..اصابعه الرشيقة كانت تجعل من كتلة طينية اشكالا جميلة، كالبيوت و الحيوانات و الطيور،و الصخور،
كانت تستهويه الحقول و طبيعة الريف الذي فتح عينه على ضوءها و نهاراتها و شمسها و اعشابها، فهو ابن الريف الشمالي من سوريا..الريف الكردي حيث الاغاني و الافراح و المواسم،
كانت قامات القصب ترتفع ببذخ على ضفاف الوادي كان يجري به الماء طيلة الشتاء و الربيع و يدوم صيفا.. كان نهرا ينشر الجمال على ضفتيه.. يعمد إلى قطع القصب و تجفيفه و صنع آلات نفخية.. الناي والمزمار و المزوج حيث يعمد الي لصق قناتين من القصب بواسطة ماتيسر له من مادة القير او الأشرطة اللاصقة محاولا صناعة آلة شبيهة بالهارمونيكا وذلك بلصق عدة أعواد من القصب و بأطوال مختلفة ليتمكن من صنع آلة يستطيع من خلالها التمتع بإخراج كل المقامات و َللحصول على التدرجات الصوتية ليصنع موسيقا تعتمد على النفخ و حركة أصابعه الرشيقة و هي تتناوب على ثقوب يحبسها و اخرى يعلن لها البوح..


قالت والدته كان عبدالرحمن ينتظر عربة البائع الجوال الذي كان يجوب و يتجول في القرى قبل ان يكن ثمة دكاكين في القرى،كان الأطفال يهرعون للبائع يشترون منه سكاكر و قضامة و اشياء لذيذة،يستبدلون البيض بالسكاكر الملونة،الا هو فقد كان يؤثر على نفسه تلك القطع اللذيذة و يمنح البائع قروشه القليلة او عددا من البيض ليحصل على الة ناي مصنوعة بعناية و بقيت معه كذكرى جميلة من تلك الأيام،
تعلم العزف سريعا و دونما معلم وهو الطفل الذي لا يتقن سوى لغته الكردية الأم، يمضي كل يوم لا يمنعه مطر او الطريق الموحلة نحو القرية المجاورة حيث مدرسة القرية الطينية،.. هناك تعلم الحرف و الكتابة و القراءة، و تعرف ولأول مرة على اللوح و الطباشير،...
كان اللوح المدرسي يستهويه، فيحمل ماتبقى من قطع الطباشير الملونة في جيوبه، و يبدأ برسم كل الأشياء، و بقطعة من بقايا لباد قديم يمسحها.. كان ذلك إحدى مراحل سحره بالرسم
تفوق على أقرانه في الدرس، لفت نظر معلميه بجمال خطه و رسوماته، كان معظم المدرسين آنذاك مصريين يرتدون ذاك الطقم الذي بات يعرف بالطقم المصري، كان ذلك أيام الوحدة ما بين مصر و سوريا في نهاية الخمسينيات و بداية الستينات من القرن الماضي..
كان أول إشارة لموهبته من معلم مصري أدرك ان ذاك الطفل الذي ينام شغبا كرديا في عينيه سيكون له عالمه الخاص و رسالته في يوم من الأيام القادمة
كانت الأفكار الماركسية واللينينية.. و الفكر الشيوعي ينتشر بقوة بين سائر طبقات الشعب السوري.. في القرى والمدن.. كان الكرد يتلقفون الفكر الشيوعي كونه الفكر الذي يمنحه قوة و حقا في اجترار الحقوق المسلوبة.. اغرم بالفكر الشيوعي في بداية شبابه، و الزم نفسه و اعتنق الشيوعية محررا بذلك فكره من عادات و تقاليد مجتمع كان لا يزال يغفو تحت ركام من العادات و التقاليد و الجهل..
مجتمع لم يكن مؤمنا بالحاجات الروحية، لم يكن يبالي لها بالا، بل و كان يحاربها أيضا..
مامعنى ان يكون الإنسان شاعرا او فنانا او موسيقيا..كان يجلس وحيدا يعزف الناي.. يحاول ان يخرج منه الحانا،.. دون معلم
تعلم اخراج الصوت و ضبط التنفس و الإيقاع و بدأ يسترسل في العزف بالهواء الطلق..
أتقن العزف و ببراعة.. أدهشت أهل القرية و رفاقه..جذبته الموسيقا،،، تعلم العزف على آلات وترية كالعود والطنبور و على البيانو و غيرها..
كان الرسم عشقه الثاني...كان يعزف نهارا و يرسم ليلا
تخرج من معهد اعداد المعلمين بالحسكة، تعرف على الريف من شماله إلى جنوبه.. لم يستقر به المقام في مدرسة ما من مدارس الريف،، عمدت مديرية التربية والتعليم إلى نقله مرارا من مدرسة الى أخرى كنوع من العقاب على ما يحمله من فكر قومي إنساني استقر فترة من حياته
و كانت من أغنى محطاته الفنية حيث تعرف على ثلة من الشباب المهتم بالفن و بالموسيقى و الأدب.. وهي الفترة التي تبلور فكره بالشيوعية و انغماسه بقراءة تاريخ شعبه الكردي و التي وسمت أعماله الفنية بالجمال الثوري، فرسم المرأة الكردية ؤ بين ملامح التعب و الشقاء مبرزا في الوقت ذاته جمالها النقي البريء
ابدع كتلا ضخمة من الصخر لا زال بعضها يزين مداخل و ساحات مدينة الحسكة رغم ما تعانيه من إهمال او من اي إشارة تدل على منفذها...و مبدعها
رسم العمال و الفلاحين و الجنود في محاكاة للنصب التذكارية في و منحها تلك الخصوصية المحلية و مانحا لعمله صبغة تاريخية تعتمد على النحت في الحجر البازلتي الصلب المقاوم لظروف الطبيعة.. كان يؤمن بخلود الفن قرأ كل ما كان يقع تحت يديه من كتب فكرية و فلسفة و من شعر و روايات..و تاريخ، تعرف على اغلب فناني المرحلة و كتابها..
انتقل الى مدينة حلب و التي كانت انتقالا جوهريا نحو مرحلة جديدة من العمل الفني الموسيقي و الرسم و النحت..
هناك تعرف على فناني سوريا التشكيليين و تمرس في العزف و ابدع و ذاع صيته كابرع عازف للناي دون منازع، عزف مع الكثير من القامات الفنية و ضمن فرق موسيقية، و كان دوره كعازف ناي مؤثرا في التخت الشرقي،.. تعرف إلى حامد بدرخان الشاعر الكردي العائد من تركيا و من سجونها... حامد بدرخان ارغون الشرق و صديق ناظم حكمت.. بكل ما يملك من ثقافة و زخم ثوري تلاقي الاثنين واستمرت علاقتهما الي ان رحل كل إلى خلوده..
كانت السيدة نازلي خليل مثالا لسيدات المجتمع الكردي الراقي و التي شجعت الفن و الأدب و التي جعلت من منزلها صالونا ادبيا التقى فيه الكثير من فناني وأدباء الكرد و سياسيهم أيضا،
شارك في عدة أمسيات موسيقية و عرض أعماله الفنية في أكثر من معرض،.. كما كانت له مشاركات في مهرجانات الشعر الكردي السنوية و التي كانت تقيم في ريف عفرين الجميل و على مدرجات قلعة نبي هوري الأثرية و الموغلة في القدم، كان صدى نايه يسافر في التاريخ و يقطع جغرافيا شاسعة من الحنين و الألم...
لم يكن يعزف فقط و إنما كان يرسم لوحات متتالية من تاريخ الفجيعة و الخذلان و الألم الكردي.. كان صوت نايه نواحا و عويلا.. وحيا الهيا، و كأنه رسول الممالك المنهوبة،..
أكثر من أربعة عقود من العطاء و الإبداع... اعطى من روحه و على حساب راحته و أسرته و أبناءه و بناته.. دون أن يكون له نية الحصول على مال او شهرة وإنما كان شغف الفن و حبه للفن هو مايملي عليه الإبداع و المثابرة في العمل
الكرد و دوما.. ينسون مبدعيه في حياتهم و يذكرونهم بعد رحيلهم و لعل الفنان الراحل الكاتب و النحات و الموسيقي عبدالرحمن دريعي تعرض للنسيان و الإهمال و التهميش مثله مثل الشاعر حامد بدرخان و غيره فلا نكاد نجد شارع او مركز ثقافي او قاعة ما بأسماء أحد منهم رغم ما لاقوه من التعسف والظلم نتيجة جهودهم الثورية في الرسم و الفن و السياسة و العمل المجتمعي
اسماء كبيرة تبلورت و قامات عالية في سماء الفن التشكيلي تعالت و سمت، برصوم برصوما، عمر حمدي (مالفا) و بشار العيسى و عمر حسيب و زهير حسيب و لاحقا حمدان حمدان و زبير يوسف.. ولاشك ان الراحل عبدالرحمن دريعي يعد مؤسسا او من أهم مؤسسي الفن التشكيلي في الجزيرة السورية ويعد الأب الروحي لمدرسة استمرت وتطورت فيما بعد على يد عمر حمدي
كان وفيا لللون و للفن التعبيري، حاول وضع اللبنات الأساسية لتناغم اللون مع فسحة الطبيعة. رسم القرية و حياتها اليومية و أعمالها و بورتريه لوجوه الفلاحات و الأمهات و صبايا القرى..
إلى جانب ولعه و اشتغاله بالرسم كان نحاتا بارعا فابدع في نحت لوحات تشكيلية
هو واحد من المبدعين الكرد الذين عملوا بجهد و تفاني و إخلاص للفن و للأدب،
يقول الفنان التشكيلي الكردي زوبير يوسف المقيم بالمانيا: زارني الاستاذ عبدالرحمن دريعي اثناء عملي على نحت" ملحمة الكائن- مرمر في الحديقة العامة بحلب"
أسعدني وسهرنا ليلتها في بيت الصديق لقمان حسين.. كان ذا وجه بشوش و طيبة جمة.. تسامرنا في الفن..فله هناك جنائن ورد.و يستطرد يوسف
ان رفيق سكن دريعي في الحسكة و بحي تل حجر بغرفة الايجار كان الاستاذ عبد الرحمن شيخموس شيخ مطر..
و كان فنانا ملونا أنيقا ... يرسم نبات و ورود خزيموكي و يبرع في رسم العيون والبورتريه. عموما..
ذكر الاستاذ عبدالرحمن شيخ مطر لاحقا وهو مدرس لغة عربية. بعد تخرجه من جامعة بيروت للأدب العربي
ذكر إلحاح عمر حمدي على جدته لتأتي وتتدخل لدى كلا العبدرحمانين للسماح له بالرسم عن لوحاتهم ونسخها.. ذكر الأستاذ شيخ مطر بان عمر حمدي كان بارعا في تقليد لوحاتنا و بزمن قصير...
اضطر عبد الرحمن شيخ مطر إلى ترك الرسم نتيحة الرفض الصارم و تعرض لوحاته للتهشيم و التمزيق و الحرق من قبل والده و اهله لكونه يتبع عائلة دينية ذاك الرفض دعاه لترك الرسم و سافر الى بيروت ليتخرج بعد سنوات منهيا دراسة الأدب العربي..و يقول الفنان يوسف حول سيرة عبدالرحمن دريعي و عبدالرحمن شيخ مطر بأنهما كانا فنانين يستهويهم الورد و زهور الخزيموك و الخرنوب و يفتخر بقامة دريعي قائلا انه من اخوالي عاشق الفن و الرسم و الموسيقا...و بعد سنوات يقول الفنان التشكيلي العالمي عمر حمدي (مالفا) و في احدى لقاءاته الصحفية : "قبل تخرجي من المعهد، بقليل، سكن في بيتنا بالإيجار، شابٌ في العشرينات من عمره مع زوجته، قادماً من عامودا، اسمه عبدالرحمن دريعي، كان يعزف على الناي مساءً، ويرسم في النهار، كان عبدالرحمن أول معلم لي في الرسم".
أنه من جيل الرواد الأوائل المؤسسين للفن التشكيلي في الجزيرة السورية، في بيئة لا تقيم وزناً للفن وسط نظرة دونية نتيجة للتأثيرات الدينية والأفكار الرجعية ومقولة بأن الفن لا يطعم خبزاً، رغم ذلك مارس الرسم والموسيقى، والنحت وأبدع في إنشاء الكتل الصخرية الضخمة محاكياً الكتل النحتية التي مجدت بطولة السوفييت وجيشه الأحمر، ولازالت بعض الأعمال الفنية تتربع في بعض ساحات وشوارع الحسكة ككتل نحتية فنية تحكي قصة الإنسان الكادح والمحارب الوطني، وصراعه المرير من أجل الحياة الكريمة، بالإضافة إلى النحت كان يبدع في رسم البورتريه والحقول.
أما بالنسبة للجانب الموسيقي من شخصيته الثرية، فقد ولِّع بالموسيقى منذ طفولته الباكرة، فكان ينصت بهدوء إلى الأغاني الكردية ويحاول أن يدندنها... تعرف إلى آلة الناي، أحبها لخفتها وسهولة حملها ورخص ثمنها، كان عبدالرحمن فقيراً وللفقر والحاجة رواية أخرى. نفخ بالناي أولى أنفاسه، زفر بها أنين طفولة هاربة نحو تخوم برية عارية إلا من البيادر وعيدان القصب التي نمَّت على ضفة بركة مطرية، كانت الحدود السورية_ التركية نهاية عالمه الطفولي، طالما راودته فكرة اجتياز الحدود ما بين ال "سر خط" و ال "بن خط".. طفل يرسل صوت نايه عبر الحدود والمسافات، كانت الريح تحمل نغماته بعيداً.. تتوغل هناك نحو أقدام طوروس العظيم...
برع في التعامل مع آلة الناي التي لم تفارقه إلى آخر لحظة من حياته الزاخرة بالإنجازات الفنية، وقد استحق لقب ملك الناي الكردي بجدارة، عزف وتعامل مع كثير من الفنانين الكرد والسوريين أمثال محمود عزيز وشفان برور والراحل جميل هورو وغيرهم من القامات الموسيقية العالية.
علّم تلاميذه حب الفن وعشق الموسيقا وحب الوطن، كان مربياً فاضلاً علمهم الأخلاق لأنه كان يؤمن بأن العلم هو أساس الأخلاق وأنه لا علم دون أخلاق و شاءت الصدف ان يكون احد طلابه أثناء عمله في التدريس في مدينة الدرباسية وريفها آنذاك بشار عيسى ليكتشف موهبته في الرسم و يمنحه التشجيع،الذي أصبح فنانا مميزا فيما بعد...
هكذا كان الراحل عبدالرحمن دريعي في حياته والتي لم تكن إلا حياة ومأثرة عاشها بشرف، رغم ظروفه المعيشية الصعبة، والسلطات التي حاربته في لقمة عيشه، تبقى شخصيته من الشخصيات الخالدة، التي تركت بصماتها على تاريخ الفن الكردي والسوري عموماً،
رئته التي طالما زفرت في انين الفراق، في ناي حزين حمل أوجاع تاريخ طويل من الألم و الوجع و الخيبة، أنفاسه الضعيفة و صدره الذي اتعبه المرض العضال، سريره في المشفى، و غرفته التي ارتسمت فجأة بألوان لوحاته الملونة.. تلك الألوان الحارة، الألوان الكردية الموغلة في روح الكردي، الأصفر الشمسي و الأخضر. الوان الحقول الممتدة تحت شمس الله، و الأحمر، نيران التنور و الورد و الدم، بصعوبة بالغة يتنفس، يستغرقه الوجع وهو راقد على جهاز التنفس الصناعي والمرض ينهش روحه، حشرجته تتحول إلى انين ناي يسترسل في المدى عميقا.. نحو تخوم قريته.. نحو أرياف عامودا التي تلقفته طفلا يلهو على بيادرها و يصنع من طينها أشكالها و مجسمات جميلة، بيديه كان يصنع الجمال و يبدع، وهو الطفل المتفوق في مدرسته..
الألم لا يبرحه، يقبض بأظافره التي من فولاذ ازرق على قلبه، تعود ظلال لوحاته بقلم الغرافيك، بالأبيض و الأسود كئيبة على ستارة يحركها هواء خفيف، يشهق بصعوبة بالغة، يتنفس هواء الغرفة،
أصابعه ترتعش و كأنها تبحث عن نايه، أو ازميله ليكمل لحنا قد بدأه، أو منحوتة لازالت بحاجة إلى لمساته الأخيرة،
فيعلن الرحيل عن عالمنا يوم 22/5/2001 وسط حزن و ذهول الأهل و الأصدقاء وهو لم يتجاوز الثالثة و الستين و في وقت كان يعد بالكثير من الإبداع و العمل..و يعد رحيله خسارة للفن و الموسيقى الكردية فقد كان الراحل شخصية لها بصماتها و تأثيرها على مسيرة الإبداع الكردي و واحدا من المبدعين الكرد الذين عملوا بجهد و تفاني و إخلاص للفن و الأدب، و كغيره من المبدعين الكرد تعرضوا للتهميش والنسيان، وكأنها سمة من سمات الكرد ان يمضوا دون ذاكرة فنية، تلك الذاكرة التي ينبغي إعادة تنشيطها على المستوى الاعلامي بداية، و تكريمها و وضعها ضمن سياقها التاريخي الذي يستحق الاهتمام و البحث و الدراسة،و خاصة ان اغلب أرشيفه و كثير من اعماله قد اتى عليها الحرق و التلف نتيجة الدمار الذي لحق بمدينة حلب خلال الازمة السورية حيث تم تدمير منزله و بالتالي ضاعت أغلب مواد ارشيفه،و بقي منها القسم القليل الذي كان بحوزة اصدقاءه و اهله و عائلته..
، وينبغي العمل على رفد الثقافة الوطنية الديمقراطية والمنهاج التربوي المدرسي بسير حياة عظمائه ومبدعيه ومناضليه لتنال التقدير من الأجيال القادمة، فالشعوب بمبدعيها ومناضليها وشخصياتها التاريخية، ولا تستقيم حياة الشعوب إلا مع علو هاماتها وقاماتها الإبداعية...
كانت ولادته في ريف عامودا، حيث زهور الخزيموكي و العندكو و السويسر و بحيرات المطر الربيعية، و توفي بمشفى بمدينة حلب و لانه كان مخلصا لتراب الوطن... عاش مابين عامودا و عفرين.. وطنا واحدا و شعبا واحدا، أنجبته عامودا وضمت جسده واحتضنه تراب عفرين حيث تم دفنه في مقبرة كفر جنة في زيارة حنان.......... الى جوار الشخصية الثورية و المثقفة نوري ديرسمي و الى جوار جده و جدته من جهة الأم..
يرقد هناك تحت شجر زيتونها المقدس... في قبلة عفرين مدينة الزيتون و الشمس...

*: تم إعداد المادة من ذكريات العائلة و من صفحته الشخصية على الفيس بوك و من المقالات التي كتبت عن تجربته و حياته و من مما رواه اصدقاءه و المعارف و أبناء جيله ومن مما رواه للوالدة أمد الله بعمرها و من مما تبقى من أرشيفه لدى العائلة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الوجع ‏Diya Raman

سألت الدهر : متى ستمر سحابة الألم ؟ و متى ستمد يدك و تنقذني من الغرق من بحر الأوجاع ؟ أيها الليل كم أنت طويل !. مثل حقل شوك أمشي حافية في در...

المشاركات الاكثر قراءة