قراءة نقدية لديوان (أمتلىء عشقاً منك)
للشاعر (فريدون سامان)
نجاة خوشناو
من الظواهر الملفتة للنظر ، هو غياب النقد الأدبي بصورة عامة ، سيما في كردستان ، نخص هنا النقد الأدبي الذي يأخذ مساراً جديداً وتحديثياً نحو تطوير النقد الأدبي في كردستان ، مع تواصل ومتابعة دائمية للنقد الأدبي العالمي الحديث ، لكي نغير أساليبنا في النقد ، حيث أن النقد البناء والأيجابي سيلزم المبدعين في هذا المجال الهام ، سواءً المتجددين أو المحبطين ، أن يتعمقوا في تجديد إبداعاتهم ، وذلك لجذب نظر القراء والمتابعين للمسار الأدبي ، بدلاً من الأهمال وغياب النقد.
فثمة مسألة مهمة جداً ، وهي أن أدب أية أمة من أمم العالم ، يبدو عليه التأثير والتأثر ، منها (الأقتباس والنقل ، التضمين والترجمة والتقليد والأستلهام ، فليس من المستبعد أن يقع أي شاعر وأديب تحت تأثير شعراء وأدباء آخرين كي يستفاد من تجاربهم ونتاجاتهم الأدبية ، للوصول الى نتائج دقيقة ، من خلال إجراء مقارنة بين نصوص الشعراء (تأثراً وتأثيراً) ، وأخيراً تجسيد شخصيته الشعرية وموهبته كشاعر ، يبدو لي أن شاعرنا (فريدون) حاول ويحاول الوصول الى مسارات نجاح وتفوق كبار شعراء الكرد ، الذين بقوا خالدين في تأريخ الشعب الكردي ، خصوصاً الولوج في التساؤلات الفلسفية العميقة في شعره ، التي تشترط خلفية فكرية وأدبية مختلفة ، وهذه المسألة المهمة تحتاج الى إجتهادات أدبية واضحة ، لقد حاول (فريدون سامان) الوصول الى مكامن وأغوار الشعر الأبداعي ، وحسب قراءاتي السابقة لبعض القصائد الكردية المترجمة وما كتب عنهم ، أحس بأن الشاعر الكردي الكبير (مولوي) ، يتصف شعره بالعمق الفلسفي ، ولكن بأسلوب إبداعي مؤثر ، ويأتي هذا وبحسب رأيي ، لتأثرهِ بالشعر الفارسي ، الذي يأخذ على الغالب المنحى الفلسفي ، وأوضح دليل على ما أقوله حول فلسفة شاعرنا (فريدون سامان) ، هو إستمرار القلق والأحباط في شخصية الشاعر ، خصوصاً الأحساس بالغبن الذي يجعلهُ ، يعيش مرحلة المخاضات العسيرة في إبداعهِ الشعري ، ويستطيع أي قاريء ومتابع لأشعاره المترجمة الى العربية ، أن يصل الى مثل هذهِ النتائج ، وهي ليست (مثلبة) تحتسب على شاعرنا (فريدون سامان) وإمكانياته الشعرية ، ولكن من خلال قراءتي لما كتب عن (فريدون) لم أجد الجواب الشافي حول أسباب إستمرار حالة القلق والمخاضات ، سيما وأن الذين كتبوا عنه ، هم معروفون في الساحة الأدبية والثقافية ، نخص هنا على مستوى الترجمة والكتابة الشعرية ، مع أنني مجرد متابع وقاريء في هذا الجانب الثقافي المهم في حياة الأنسان الواعي والموسوعي ، فهذه الثقافة هي التي أستلهمتني روحية المتابعة الدقيقة ، منذ أن كنتُ صغيراً في بغداد بداية ، ثم (الناصرية) مدينة الشعراء والفن والمبدعين ، تعلمتُ منهم أن أكون أولاً مستمعاً جيداً ، وأسمع آراءهم حول شخصية أي مبدع ، لقد تأثرت بأراءهم حول (طاغور) الذي كان متأثراً بالمناظر الطبيعية البنغالية وحياة الريف والفلاحين ، و(توماس أليوت) المتأثر بالتصوف الهندي ، والرائع (بابلو نيرودا) وشاعر إسبانيا (لوركا) والمبدع (بوشكين) ، بهذا الشكل والأسلوب وضعت قاعدة ثقافتي وإنطلاقي في ساحة الكتابة الثقافية ، وقربي من أبناء المناضلين اليساريين ساعدني كثيراً ، وتم تدعيمي بهذهِ الفسيفساء الثقافية.
القصيدة الحيوية ، هي عندما تكون مشاكسة وبعيدة عن الرتابة وتثير الضجة والأحساس الأنساني ، وتهزنا من الأعماق ، بحيث تصل الى القلب بسرعة ، ومن خلال قراءتي لما كتب من قبل كتاب معروفين حول ديوان (أمتلىء عشقاً منك) ن ومن المفيد أن أشير الى رأي الكاتب (حواس محمود) الذي يقول: [أن فريدون يشتغل على الحدث المأساوي ويدخل في عمقهِ ، لكنه لا يستسلم لحالة اليأس ، بل يستطيع الخروج من حالة اليأس الى فضاءات التفاؤل].
لكن مع هذا ، أنا أضيف وأعلق على ما يقوله الزميل (حواس): [ما زال فريدون ، شاعراً حساساً ومستمراً في دوامة القلق وتقلباته السوداوية التي تحتاج الدخول الى مخاضات مراجعة الذات ، والخروج من التقوقع في بودقة القلق ، أن التفاؤل الذي تحدث عنه زميلي (حواس) تحتاج الى الثبات ووضع الماضي المأساوي وراءك والنظر الى المستقبل من وجهة نظر شاعر مبدع لا تهزهُ محبطات الوضع الحالي المربك].
هناك عبارة جميلة للأستاذ (خلدون جاويد) حول هذا الديوان ، أريد التعليق عليها ، حيث يقول زميلنا العزيز (جاويد): [أن الشعر هنا بالرغم من ترجمته الى اللغة العربية يبقى متسماً بنكهته وتعابيره الجذابة].
هنا أنا مع الأستاذ خلدون في مسألة الترجمة ، ونسأل: هل أن القصيدة عندما تترجم الى لغة أخرى ، تفقد أحاسيسها ومشاعرها الجياشة والمؤثرة؟ وهل يمكن ترجمة المشاعر والأحاسيس الأنسانية؟ فهذا السؤال مهم جداً عند القيام بترجمة الشعر ، باعتباره مشاعر سامية تنفجر وتنطلق من روح ووجدان الشاعر نفسه ، أذن كيف لي ان أعرف هذهِ المشاعر المدفونة والصادقة؟ من الممكن ترجمة (نص قصصي وروائي) إنطلاقاً من أسس وشروط القصة الفنية ، أي لا تحتاج هذا الى التعمق الأنساني في المشاعر والأحاسيس وفك الطلاسم الروحية المدفونة والرقيقة كما في الشعر ، لذلك إنطلاقاً من رأي الشخصي وبصراحة أقول من الصعوبة جداً الوصول الى مكامن المشاعر الأنسانية الجياشة في قصيدة حيوية مليئة بالعشق والحب الأنساني ، لكن أخيراً أقول وكما قال الأستاذ (خلدون جاويد): [أن ديوان (أمتلىء عشقاً منك) يظل يحتفظ بنكهة الشعر وذلك لأمكانية ترجمية واضحة].
لقد كان لترجمة ألأساتذة: (فتاح خطاب و بلال عزيز و مكرم طالباني) لقصائد فريدون الأثر الأبداعي الواضح ، إذ تجد الروح والأشراقات الشعرية الجذابة ، حتى إسم وعنوان القصائد المترجمة ، تجد تأملات تجعل القارىء أن يمتعن ويتوقف ، بأعتبارهِ جذاب ويضع القصيدة في نسق واحد ، على العكس من بعض القصائد المترجمة التي تفتقد الهارمونية والنسق عند وضع وترجمة عنوان وإسم القصيدة ، فالسبب هوان هؤلاء الأساتذة كانوا بعيدين جداً عن الترجمة الآلية والحرفية ، التي تفقد القصيدة حيويتها وروحها الجياشة بعاطفة إنسانية سامية ، وهنا أنا لا أريد التقليل من أهمية وجهد المترجمين الآخرين ممن ترجم للشاعر (فريدون سامان) لكن هذهِ آراء شخصية لمتابع ومهتم بمسالة الترجمة وأهميتها عند المبدعين والأبداع في الترجمة ، إذ لكل مترجم طريقته وأسلوبه الخاص في الترجمة ، فهناك ممن يمتعن ويدقق ويبذل جهداً إستثنائياً عند الترجمة ، سيما وأن الترجمة هي أمانة وفن يتحمله المترجم.
هنا أريد أن أقدم للقارىء هذا المقطع الجميل الذي ترجمهُ المبدع (فتاح خطاب) من قصيدة (وصية حالم):
ليلة إحتراق إبراهيم
وإنتشاء بوذا
حيث كانت روح الله
على حد السيف
ساعة إنتظار لهيب الشعر
حيث يخترق المدى
ليلة كسرداب سجن
يحاكي إسرار جلاد نائم
يعاني الوحدة والأنزواء
لا.. لم يكن حلماً
تلك الروح الجميلة المرفرفة على ذلك القربان
ففي هذا المقطع المترجم لا تحس بانك أمام مقطع شعري جامد لا روح فيه ، شعر مترجم حيوي وفيها مفردات أدبية جميلة أكدت مقدرة المترجم ، كذلك عمق ثقافته الموسوعية.
وهذا مقطع من قصيدة ترجمها المبدع (مكرم طالباني) الذي يتعامل مع ترجمة القصائد بكل أمانة ، بحيث يعطي كل قصيدة يترجمها إستحقاقها ، إذ يبدو وأنه يهتم كثيراً بعملية الترجمة ، ليؤكد بحق بأنه مترجم مبدع ، وإليكم هذا المقطع من قصيدة (كتلة ضباب):
أنا هنا
قرب رأسك
أتقرفص كغريب
كل مساء عند الغروب
حين تودعك الشمس لآخر مرة
تختلط كل سنونوات وعصافير حديقتنا
باللون الأصفر لأوراق عمرك المتساقطة
وكل أمواج خضراء ذكريات طفولتي
تختلط بمدينة خلودك
لنرجع الى إبداع الأستاذ (بلاب عزيز) في ترجمته لقصائد شاعرنا (فريدون سامان) لقد إستطاع أن يخلق ويعيد الخلق ، بحيث تحس إنك أمام ولادة نص جديد وبلغة أخرى ، لذلك ولكي تحافظ القصيدة الشعرية على حيويتها وجمالها الشعري ، يجب أن يكون المترجم مسيطراً تماماً على اللغتين ، وهذا ما نجدهُ لدى الأستاذ (بلال عزيز) ، لنأخذ هذا المقطع من قصيدة (نار تحرق نفسها):
ألتحقت بقافلة الملائكة
المتلفعات بالأردية البيضاء
ووطأت بقدميك
مروج العشق المبارك
وشربت من مياه الخالدين
حسناً ما فعلت حينما تركت
مسرعاً هذهِ الأرض
الملوثة بالسواد
خلال قراءتي الدراسات النقدية حول الشاعر (فريدون سامان) ، وجدت الأستاذ (نوري بطرس) أتخذ إسلوباً نقدياً فنياً حقيقياً ، بأستعمالهِ المفاهيم والمفردات والعبارات النقدية التي تخص النقد الشعري ، جماليات الشعر والصور الشعرية وإستعمال الرمز ومسألة (الأنا) ، والسبب هو متابعات الأستاذ (نوري) المستمرة على مستوى الكتابة ، إذ أن ثقافة الكتابة تحتاج الأستمرارية والديمومة ، كذلك الأبتعاد قدر المستطاع عن الأنشائيات والسطحيات قدر الأمكان ، وهذا ما فعله الأستاذ (نوري بطرس) عندما أجرى قراءة لقصائد الشاعر (فريدون سامان) ، لنأخذ نموذج من هذهِ القراءة:
[ أن توهج الحرف والصوت والأندفاع بالمشهد البصري الى تأسيس تشكيله الوجداني حيث يدخل الشاعر المكان بأحاسيس مفجعة الى مرورية قريبة من روح النقد والسخرية بأتجاه فاعلية الكلمة ، وإستواء المعنى حيث تتداخل مع الخطاب الشعري ، إنساق من نظام الحياة دالة ترشح صيغ الأحتجاج والرفض والحزن والتمرد والكشف والألم والرحيل عبر صورة الأستلاب ].
يستعمل الناقد الناجح مصطلحات نقدية خاصة بالنقد الشعري ، من المسائل الأساسية عند إجراء القراءات والنقد ، سيما محاولة التقاط أي صورة شعرية جميلة و هاجة في قصيدة الشاعر المبدع ، وهذا ما فعله الأستاذ (محمد البغدادي) في (الأختلافات في زمن اللاشعور) لنأخذ هذا المقطع:
[ ليس بأمكاننا اليوم الوقوف بدقة على شاعرية.. فريدون سامان ، ومدى إصالة وإبداع فنه الشعري حيث تتميز لغته الشعرية بالأنسانية والبساطة وخياله بالأنفتاح والخصوبة وصوره بالثراء والجمال.. أنه أحد المتيمين بأختلافات القضايا التي تستنج من خلالها معقولية الواقع ، ومن ثم توظيفها بأتجاه إستنطاق حقائق تختفي وراء كم هائل من التناقضات والأرتباكات التي امضى بها في مرحلة من مراحل فهمنا اللاموضوعي لطبيعة الحياة الأنسانية التي يحاول الشاعر فريدون سامان كشف ملف حقيقتها البنوية].
[عنوان الكتاب]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق