لم تستطعْ أن ترقُد في الكرتونةِ لخمسةِ دقائقَ فقطْ . ولم تستطعْ أن تخلطَ المشاهدَ الحميمةَ بالجنائزِ ، باتت تتفقدُ القَدَرَ المحتومَ لجيلٍ سيولدُ دونَ وطنٍ ويوئَدُ فوق الأرض بين الجماجمِ والأشواكِ .
تسربلتْ الوجوهُ المتجعدةُ بالقنوطِ بعد أن حفروا لقلوبهم قبراً مظلماَ ، خَشَعوا ببصائرهم وأمسكوا أنفاسَهم وهم ينتظرون معوناتَهم من الطحينِ وعُلبَ السردينِ والأرز .
أشباحٌ بيضاءَ تسحبُ حِصَّتها من الطحينِ داخلَ السجنِ الضيّقِ المخيفِ وفيه أحببتُ وطني وخبأت (كرتونتي) .
كنتُ أرقبُ مشهد العطايا من بين أكياسِ الطحينِ وقد استمتعتُ بمقايضةِ خياطةِ الأكياسِ بقدر (دلو) واحدٍ من الطحينِ . مهنة أتقنتها غجريةٌ وجعلتني أقفُ تحتَ أرجلها مراقبةً حتى سَقَطتْ منها الإبرةُ الكبيرةُ وفقأتْ عيني .
لا اعرف لماذا يكتبُ (مراد) قصّتي ولا أدري من سيقرأُ الألمَ ومن يحبُّ الحزنَ ويقدّس العذابَ غير أمريكا وإسرائيل ، من سيعرفُ إن فُقِئتْ عيني أو سرتُ وحيدةً فوق سبلٍ طويلةٍ من ألواحِ الصفيحِ .
اكتبْ عن نفسكِ أولاً وعن الخيام والتشريدِ حضرة كاتبِنا العظيم وحاولْ أن تنكرَ مصيبتكَ الخرساء التي لم تُسمعْ لها صوتاً .
حاولْ قبل أن تكتبَ عن أمّي التي ودعتني دونَ عودةٍ أن تكتبَ عن أمّتكَ العربيةَ وعَارَها .؟
قم بنشرِ (سايكس بيكو) و(كامب ديفيد) على حبالِ سطوركَ الضعيفةِ والواهنةِ. واتركني لأغمضَ عيوني كيلا أرى شعاع النّور في هذا العالمِ الحقيرِ . اتركني أبكي بكاء ظامئ رأى الجدول العذبَ محاطاً بالكلابْ .
- مش ظايل ع الخم غير ممعوط الذنب وانا يا ست هرهورة شفقان على حالتك وقاعد بعمل منك (بسه) بحق وحقيقي بكرة بتتعافي وبتصيري (قط شيرازي) .
- لا تشفق على حالتي وطلّعني من قصصك ، من يوم ما كتبت عني وشفت حالتكم بمخيم شنلر ما شفت يوم احكي عنه .
ماذا أقول سيدتي الهرة :-
أعلم تماماً أنها مأساةٌ أليمة مكتوبةٌ بدِمائنا النازفةِ وروايةٌ موجِعةٌ تمثلها الليالي السوداء ، هو نِزاعٌ مخيفٌ بين الحياةِ والموتِ وكلّ الأحداثِ مسرحها الأرضَ قبلَ ابتداء الدّهور ومنْ يصفق لها أهلُ السماء .
أنظُرُ إلى المخيّمِ كما أقف طويلاً إلى المرآة فلا أشاهدُ غير أشباحٍ سائرةٍ تبحثُ عن العدلِ بينَ الشرائعِ التي وَضَعها البشرُ للبشرِ .
تفتّش في ميثاقِ هيئةِ الألَمِ إن صحَّ التعبيرُ عن حياةٍ وتنتظرُ على قارعةِ الموتِ أيامَها المنسيّة من ملائكةِ الحسِاب .
هل توجد قوةٌ تتغلّبُ على الموت ...؟
وهل يوجدُ عدلٌ يجعل من المظالِم ميزاناً للشرائع البشرية ...؟
هل توجدُ قوةٌ توقِفُ القاتلَ والمقتولُ والزانيةُ والسارقَ وتخلّصنا من جراثيمِ اليأسِ والقنوط ...؟
أصغيت فلم اسمعْ غيرَ عويلِ العدم ممزوجاً بأنين (هروهرة) والدماءَ التي تقفزُ من عينِها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق