أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts

******* أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts *******

الخميس، 4 فبراير 2021

تأملات الكرسي ــــ أزهر أحمد


أتأمل ذاك الشاب الذي يناهز العشرين من عمره, يصيح بأعلى صوته (( كرسي مجاني .....كرسي مجاني ....كرسي مجاني )) وهو يركض نحو ساحة المدينة المثقلة بالهموم المخبأة في زواية الغرف الكئيبة ,والمغطاه بسحب سوداء وهي تتصاعد من افواه المداخن وكأنها تعلن التمرد على برد الشتاء .
تعالى نبرة صوت ذاك الشاب القوي البنية ,وتسارعت خطواته نحو الساحة القريبة , وكأنه في سباق, حاملا كرسياً على رأسه ويداه مشدودتان على طرفي الكرسي المتحرك يزداد دورانا وحركة بحركة اطرافه لحظات الجري وهو يمنع الكرسي من السقوط .
وجموع من البشر( الاطفال – الشباب – الشيوخ ) رجالا ونساءا تركض خلف ذاك الشاب وهو يزيد في سرعة الجري وكأنه يتحداهم ويقول لهم من منكم سيظفر بهذا الكرسي ....يزيد في سرعته ويزيدون في سرعتهم .
ياله من منظر وصوته لا ينقطع وسرعته لا يخف والملفت في النظر ما بقي في مخيلتي لغاية الساعة وترك أثرا كوارث بعض الصور لا احد يكترث بلآخر الاب لا يكترث بالابن , والابن لايكترث بالاب العجوز رغم سقوطه وصيحات النجدة ودعكلة الاطفال المتعثرين وبكاءهم وهم يتألمون تحت الاقدام . الكل يريد ان يوقع بمن يباريه سرعة ليكون هو الفائز بذاك الكرسي المحمول على رأس ذاك الشاب الذي مازال يقوي من صوته مناديا ( كرسي مجاني ....كرسي مجاني .....كرسي مجاني ) وصوت خطواته تدل على انه مازال محتفظا بقوىته وسرعته .
يركض الشاب ويركض الحشود من خلف الى ان وصل الى ساحة المدينة . صعد مجسم البئر الموجود في ساحة المدينة وهو يخاطب الجموع المهرولة باتجاهه...عفوا باتجاه الكرسي .
الجميع متشنج ومتشغف للحصول على ذاك الكرسي المغري, يتوقف الشاب يحرك الكرسي فتتزايد سرعة دوران الكرسي حول قاعدته يدوره ليشاهده الجميع وليغريهم أكثر . ياله من كرسي انه لا يشبه الكراسي التي عهدتها في منازل الفقراء يزينه فرش من جلد النمروسناداته تشبه وسائد الملوك . نادى بصوت قوي :انتظروا لا تتقاتلوا قبل ان اعطيكم الكرسي لابد ان اذكر لكم بعض ذكريات هذا الكرسي .....ارجوكم اتركوني ان اكمل كلامي .....تعالت الاصوات والكل يحاول ان يقترب من الشاب الصاعد فوق المجسم المرتفع في الساحة ..
تابع الشاب كلامه :
-هذا الكرسي كان سبب فقري ....فقركم ......
-هذا الكرسي كان سبب جهلي وجهلكم .... هذا الكرسي كان سبب سجن والدي واعزاءكم ....هذا الكرسي كان سببا لبقاء جاري مفقودا واهاليكم المفقودين ...... هذا الكرسي كان سبب بقاء شقيقتي منزوية في ركن المنزل و سبب الظلم في منازلكم ..... هذا الكرسي كان سبب جهلي بلغتي ولغاتكم ...... هذا الكرسي كان سببا لعدم تدوين اسمي في السجلات الرسمية ....
هذا الكرسي كان سببا لعدم وجود خارطة وطني وطنكم الجريح ضمن خرائط العالم .
هذا الكرسي كان سببا لصراعات اخوتي وصراعاتكم ......
هذا الكرسي كان سببا لنسياني حقيقتي فلكلوري تاريخي آثار وانتم نسيتم حقيقتكم ........هذا الكرسي كان سببا لبيع آثار اجدادي ........هذا الكرسي كان سببا للخيانه .
كرهت هذا الكرسي عندما تذكرت كلام الشهيد هركول وهو يخرج كرسيا دوارا من مكتبه ويقذفه خارجا قبل شهادته وهو يقول هذا الكرسي سبب كل ما آلت اليه حال العالم السرقة ... الخيانة ......الفقر..... الظلم .... السجون .....الفراق...... الالم ......الدماء .......
بعد تلك العبارات ابتعد الجميع سوى قلة من الناس يعدون على الاصبع فقذف الشاب الكرسي بينهم وهم يتصارعون على ذاك الكرسي رغم انهم كانوا اقراباء , شدة صراعهم على ذاك الكرسي لم يترك سوى آثار الخراب والدماء .
فتأملت نظرات ذاك الشاب وشدة حزنه وهو يمعن النظر في المتصارعين على الكرسي الدوار فلم يكن مني سوى ان اقبل جبينه ونبتعد عن المتصارعين قاصدين زيارة البؤساء.
أزهر أحمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الوجع ‏Diya Raman

سألت الدهر : متى ستمر سحابة الألم ؟ و متى ستمد يدك و تنقذني من الغرق من بحر الأوجاع ؟ أيها الليل كم أنت طويل !. مثل حقل شوك أمشي حافية في در...

المشاركات الاكثر قراءة