أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts

******* أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts *******

الأربعاء، 16 ديسمبر 2020

عن أربيل اتحدث... *رولا الخطيب: كاتبة وإعلامية لبنانية تعمل مراسلة في "قناة العربية

لم يكن قرار العودة الى العمل الميداني سهلاً بعد أربع سنوات.
كثيرة هي المستجدات التي طرأت على حياتي الخاصة ... فقد أصبحت أماً لطفل لم يتجاوز السنتين وثمانية أشهر, وفكرة تركه لعدة أيام لم يكن سهل تقبلها في البداية
لكن شغفي دفعني للموافقة على طلب الإدارة الذهاب الى كردستان لعمل سلسلة من التحقيقات.
أقلعت الطائرة من دبي الى أربيل المدينة التي زرتها مرات عدة سابقاً.
اتذكر رحلتي الاولى عندما لم يكن الإقليم على خط الكثير من شركات الطيران العالمية.
استقلينا طائرة تدعى بساط الريح ... اسم يشبه الحالة التي عشتها حينها, فكأنني كنت أسبح في الهواء ولم اتخيل اننا سنصل الى وجهتنا, فالطائرة تتمايل وصوت المحركات لم يكن هناك ما يعلو فوقه.
حينها حطينا فيما قيل لنا بأنه مطار ... قاعة صغيرة وعدد من الغرف. اما اربيل فلم تكن سوى قرية كبيرة.
اليوم انقلبت عاصمة الإقليم راساً على عقب, والتحول طال كل زاوية.
المطار بمعايير دولية ... شركات طيران عالمية تحط على مدرجاته ... الموظفون على قدر عال من الحرفية ويتحدثون عدة لغات.
اما القرية الكبيرة فلبست ثوب المدينة ... سلاسل الفنادق العالمية تنتشر في كل أرجاء العاصمة ووصلت الى دهوك ... الأبراج تتلألأ حول القلعة الأثرية ... الماركات تزين الواجهات ... وأفرع العديد من المطاعم والمقاهي المشهورة باتت في كل ركن.
الأكراد لم تتبدل أخلاقهم ... فهم ما زالوا ذلك الشعب الطيب الكريم الخلوق المتعلق بقوميته ... معلمون مثقفون محبون للمعرفة والإطلاع على كل ما هو جديد.... لكن دون أن يخلعوا زيهم الكردي.
قليل ما تلتقي بشعب يشبههم ... ابتسامة لا تفارق محياهم ... إرادة وتشبث بالحياة ... فخر واعتزاز بالهوية دون الهبوط الى درك الغرور ... نفوس قوية وصبورة تهزم الفشل والنكسات لتخرج حاملة الإيمان بالقضية والتمسك بالمبادئ.
الأكراد بشيبهم وشبابهم حراس الوطن المنشود ... عيونهم مفتوحة للحفاظ على إقليمهم وما أنجزوه ... دون أن يكونوا مخبرين على بعضهم البعض كمدارس العديد من الأنظمة العربية.
خلال إعدادي لعدد من التقارير قصدت عدداً من مقرات "الأشايس" اي الأمن العام الكردية ... لتكون المفاجئة ... أجواء حميمية وأخوية ... استقبال وضيافة ... ضحك ومزاح ... لا تشبه المراكز الأمنية في بلادنا ... فلا رهبة ولا خوف ... وكل ذلك دون اي تهديد أو مساس للأمن القومي ... وعندما سألت أحد الضباط عن السبب, كان رده: على المواطن أن يشعر بالإرتياح والأمان عندما يراني وألا يهابني ويرتعب مني سوى المجرم والإرهابي.
مجازر ... إبادات ... تهجير ... حروب ... تهميش ... إقصاء ... كلها محن خبرها الأكراد على يد العرب وغيرهم, إلا انها لم تحولهم الى قنابل كراهية موقوتة تنفجر بمن حولها ...
فالأكراد لم يقتدوا بالعرب ... ونجحوا ...
فإذا ما نظرنا الى واقعنا العربي اليوم ... حماس إنتقمت من فتح ... داعش جاءت نتيجة سياسات المالكي الإقصائية والأسد القعمية ... المالكي حاقد على حقبة صدام حسين ... حزب الله حمل راية "المحرومين" ليدوس بها على باقي اللبنانيين ... الليبيون تجاوزوا بأشواط إجرام القذافي ... وحدث ولا حرج مع باقي الدول العربية...
أما الأكراد بقيادة كاك مسعود برزاني تخطوا شعور المظلومية.
إنهم يسيرون الى الأمام بخطى واثقة وعقل مستنير ... الماضي مرحلة نضال زرعوها لينطلقوا الى المستقبل الذي يريدونه.
ففي أكتوبر الفائت نفذ الكوماندوس الكردي بالتعاون مع الأميركيين عملية على أحد سجون داعش معقلهم في الحويجة. الهدف من العملية كان تحرير 69 عربياً بعد وصول معلومات استخباراتية بأن التنظيم سيقوم بإعدامهم بعد ساعات. واليوم هؤلاء المحررون يعيشون بحماية "الأشايس" بإنتظار لم شملهم مع عائلاتهم. 
*رولا الخطيب:  كاتبة وإعلامية لبنانية  تعمل مراسلة في "قناة العربية" 
عملت كمراسلة في "جريدة المستقبل" في لبنان بين عامي 2005 و2008.
حاصلة على بكالوريوس في الصحافة عام 2004.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الوجع ‏Diya Raman

سألت الدهر : متى ستمر سحابة الألم ؟ و متى ستمد يدك و تنقذني من الغرق من بحر الأوجاع ؟ أيها الليل كم أنت طويل !. مثل حقل شوك أمشي حافية في در...

المشاركات الاكثر قراءة