أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts

******* أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون Icon Mesopotamia for Literature and Arts *******

الاثنين، 8 مارس 2021

كنزات صوفية ...نضال سواس



أمالت برأسها بصعوبة على طرف وسادتها محاولة تعديل جلستها للنهوض من السرير ..لم تسعفها يدها على التمسك بطرف الحاجز الحديدي لسريرها ...كانت تلك السيدة المسؤولة عن رعاية المسنين قد أوصت لها بداعم آلي طبي موصول بالسرير ليساعدها على الإتكاء والنهوض ...النور ضعيف جدا هنا فقط بعض من أنوار شموع معطرة على المنضدة المقابلة لها كانت تتألق أمام ناظريها ...أخذت نفسا ً عميقا ً وقد ترقرقت دمعة كسولة في عينيها دمعة تتوانى عن التدحرج على أخاديد وجنتيها بكل الأحوال كان عليها أن تضبط نفسها فصندوق المناديل بعيد عن متناول يدها كان شكلها سيبدو غريبا بعينيها المحمرتين إذمااعتاد الناس على رؤيتها إلا ضاحكة مبتسمة ...تشعر بوخز في قلبها وتعب شديد ..كم هي محتاجة إلى النوم ..لكنه القلق ..كالعادة بدأت تصغي إلى خطوات الممرضة في الردهة وتحصيها ..تسعة إذا هي الآن أمام غرفة تلك المدعوة ماتيلدا ...تعود الخطوات للابتعاد برتابة وتعود معها إلى العد أربعة عشر خطوة ...هاقد أصبحت أمام غرفة جيني ...كان عليها أن تنتظر الخطوات السادسة والعشرين لتعلم بأن الجولة الليلية للممرضة كما العادة ستنتهي أمام غرفتها .تدخل الممرضة الشقراء وتقدم لها كأسامن الماء وحبة من الألفيدون يضحكها أن هذا الدواء العجيب يعتبر هنا التميمة الموحدة لجميع الأمراض .
المهم عليها أن تنتهي من هذه المهمة الثقيلة ستأخذ هذه الحبة وتطمئن إلى إغلاق باب غرفتها لتتكور بصمتها القدسي وتفتح صندوقها الأبيض ...هو عكس ذاك الصندوق الأسود فيه كل ما تريد استدعاءه تغمض عينيها وتغوص بذاتها تفتح صندوقامن نور بمفتاح من أنفاس روحها تتماهى بالصغر وتدخل ببوابته العجيبة تتبدد من وجهها ملامح الشيخوخة وتفتح عينيها فجأة ليتألق الوميض تمد يديها بالفراغ وتحركهما كما لوكانت تحيك كنزة من الصوف بأسياخ بلاستيكية وتبدأ بالعد هذه المرة بشكل مختلف ...يرتسم على وجهها شبح ابتسامة هذه كنزة ابني الأكبر قد بدأتها بأربع وستين غرزةكم محبب طفلي هذا قال لي يومها أنه يحب لون الدخان ويحب لون الكرز أحيكها له كما يحب ترمي بيديها بحركة غريبة وكأنها انتهت من طي قطعة من الملابس تبتسم بحنو ...آه من قطع العاب الليغو والماتشبوكس هذه كنزته الأخرى بها أشكال هندسية يحب هذا وتعود من جديد بخيالها لتدخل في ذاك الصندوق مرة اخرى بخيالهاتسير بداخله في ممر من نور وتقطف من على شجرة كرات صوفية بلون أصفر شمعي شاحب وأخضر باهت تضحك ...حبيبي الصغير يحب ألوان الباستيل قد حكت له كنزاته بهذه الألوان تناسب شقرته ...تسمع من بعيد صوت ضحكته ضحكة طفولية ...أحب رونالدو وبيبيتو يقول هذا وهو يدحرج كرته أمامه تضحك معه وهي تقوم بتغيير كنزته بأخرى صوفية بلون أزرق .. علي بالكثير من كرات الصوف أحب أن احيك لهم كنزاتهم بيدي تأخذ تلك الكرات الحمراء عالية علي أن أتسلق تلك الغيمة تتطاول وتمد بيديها وتاخذ بقطف كرات صوفية حمراء وواحدة سوداء وواحدة بيضاء ...وتمد أصابعها إلى الأعلى تلتقط حلقات ذهبية تهطل مع حبات المطر ..سأحيك لابنتي ثوبا صوفيا أحمرا به شكل فتاة لها شعر طويل وأغرس به جديلة من صوف أسود وحلقات ذهبية سيكون ثوب طفلتي هو ثوب دميتها ...تضحك اكثر وتعدل من جلستها على السرير وتمد يديها إلى اعلى رأسها ...لشقرائي الصغيرة سأحيك لها كنزة لها وجه مهرج بخدود وردية سأضع له خيوطا صوفية طويلة مكان رموشه ستضحك كثيرا ً ..
تعود يداها إلى حركة الحياكة الصوفية ذاتها وتمد إصبعها الصغير متخيلة لف خيط صوفي عليه لتمرره بين الأسياخ ...
أنا معكم لم اترككم يوما ً بل لم اقوى يوما ًعلى التفكير بهذا .... مازال النور قويا جدا بداخل ذاك الصندوق ومازالت تسير على شعاع النور ذاته على أطراف أصابعها تتلقف كرات صوفية لتحيك كنزات أبنائها ....
تشعر بوخزة أكبر مستعرضة شريط صور لعشرات الكنزات التي قامت بحياكتها ...تتذكر كل واحدة مع كل واحد من أولادها ومع كل حدث ...مع كل عمر كانوا يمرون به ......لا تنسى ..لكنها تنسى أخذ الدواء وأسماء الأمكنة ومن حدثتهم ومن حدثوها من الناس ...لكن لا تنسى أبداً كنزاتهم الصوفية ...تنهمر دمعة منها ...تذكر كنزة قد حاكتها لحفيدها لم تلبسه إياها أمه ...بل حتى الثانية وحتى الثالثة أيضا كذلك ...لا تستطيع أن تنسى عدد الغرزات كانت قد بدأتها بمقاسه ثمان وأربعون غرزة ...ياااااااللصداع ...يا لوخز القلب ...
تمد يديها تحاول التقاط كرة صوفية من تلك الشجرة الأخيرة ....ربما كنزة أخيرة ستلتقط كرات صوفية بلون قوس قزح ...تمتد بجسدها إلى الأمام ...تمد بيدها تسقط كرة الصوف متدحرجة أمامها يغلق باب الصندوق الأبيض ...ينحسر النور ومن بعيد ترى نفسها تجري وراء خيط صوفي ملون قد تدلى من طرف غيمة تحاول الإمساك به ...تتهاوى يداها ...يتهالك جسدها ....
لم تنسى ألوان الكنزات الصوفية ...
نضال سواس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

الوجع ‏Diya Raman

سألت الدهر : متى ستمر سحابة الألم ؟ و متى ستمد يدك و تنقذني من الغرق من بحر الأوجاع ؟ أيها الليل كم أنت طويل !. مثل حقل شوك أمشي حافية في در...

المشاركات الاكثر قراءة